التخطي إلى المحتوى الرئيسي
في آخر جلسة لي لدى المعالج فاجأني بسؤال سبقه صمت مخيف و نفس عميق و إشعال لغليونه و قال..
كيف ستكون النهاية يا عزيزي..نهاية آلامك..و تنفس الصعداء.
 النهاية! حتما ستكون سعيدة. هل تظن أن أحدا سيعرف الفرق؟! لا تخدع نفسك لن يشعر بغيابك حقا احد. ولن تؤثر بأحد. موتك سيكون كموت قطرة ماء إرتطمت بالارض أحدثت ضجة و اندثرت ولن يسأل احد، " أين ذهبت تلك القطرة". فالنستيقظ من سباتنا الدوغمائي و ننظر لما مر من حياتنا البشرية.
 ان البشر كائنات سافلة متطاولة. ففي عصر الالهة كانوا يمقتونها و يتطاولون عليها و في عصر الملوك اشعلوا ثورات عليهم و في عصر التطور و الثورة الصناعية أصبحوا يتطاولون على الطبيعة. يا لسخافتنا المستدلة و المشدودة خلفنا. هل تعلم..عندما اموت لن يشعر احد بموتي لست شخص ذو قيمة. لا ! لست ذو قيمة. سأنتظر ذلك اليوم الذي ساموت فيه. سأكون مستعدا ولربما اشتري بدلة جديدة من الكتان و ربطة عنق من الساتان. و اشتري حذاء ذو كعب بني اللون. سأمشط شعري بشكل جميل و ربما أضع موسيقى هادئة و أطفئ الاضواء و الضوء فوق راسي. سأغلق الابواب و النوافذ و اكتب اسطري الاخيرة. قررت ان اشتري بوكيه ورد احمر. نعم سأشتري ورد. و امسكهم مبتسما..سأخذ وقتي في الموت كما اخذت وقتي في الحياة. احتضر رويدا رويدا.
 هل تعلم بما يذكرني مشهد الاحتضار ؟ يذكرني بموت ملايين البشر يوميا تحت بوابل القذائف. وانا احتضر اسمع انين الموتى واشم رائحة الموت..اه كم اعشق هذه الرائحة. سأراقب عن بعد و ربما افتح لنفسي نافذة و اراقب كل من كان في حياتي من بعيد. وكما تركتهم سيبقون.
حياتك لن تكون ذو اهمية بتاتا. انظر ها هو صديقك العزيز يضحك بشغف و ها هي صديقتك ترقص بشغف..و انت لست موجود ولا بئس في ذلك. انظر ها هي حبيبتك تمسك بيد خطيبها الجديد و تضحك معه تماما كما كانت تضحك معك. و انها ستتزوجه و تحلم معه بعائلة سعيدة كما كانت تحلم معك و تنجب اطفال منه تماما كما كنتم تخططون. وكانك لم تكن. والدك و والدتك سيستيقظون بعد موتك و موتي كما كانوا يفعلون دائما. الفطور في وقته. الشمس لن تخون غرفتك بالرغم من خياتك لها. لم تعد موجود. الكتب يملئها الغبار و السرير ما زال مرتبا. هل ترى! حتى وجودي كان كارثي و خراب على السرير و الآن هو مرتب بدوني. إخوتي سيعتادون و يكون كل شيء بخير. ربما اخي او اختي ستأخذ الغرفة و ترمي كل شيء..فلم اعد موجود. الجيران و الجامعة..المدرسة..العمل. كل شيء سيكون بخير. يا عزيزي من تركته يدخن سيظل يدخن. من تركته يرقص سيتابع رقصه و من تركته يعزف سيستمر في عزفه. لقد كنت عبء على الجميع صدقا.
كنت ذلك المتكلم المتشاءم صاحب الامراض و الاضطرابات. وكنت الحساس الذي يريد دائما من يسمعه. صدقا الموت لي هو خلاص وجودي. انه خيار جميل و مريح للجميع. حتى الذين لم يعرفوني لقد استراحوا من ذلك العبء. اه يا طبيبي انني أشتم رائحه الفناء..اه اه اه. انها تتغلغل بأوردتي. اشم رائحه التراب. و اسمع اصوات الموتى الذين ماتوا سعداء. إنني أرى مكاني في الفناء و العدم. وفي النهاية بعدما اطمئنيت على من كانوا ..سأقف كشيء مجهول يتفتت ذرات تتناثر عند الغروب و حمرة السماء..حيث نسيم البحر يداعب اغصان النباتات و صوت الموج المريح والمريع يخرجني من جسدي النوراني على مهل..وها هو السكون المطلق..الهدوء والموت. وبعدها..وبعدها اماكن مررت بها و مرت بي. هنا ضحكة هناك دمعة. هنا قبلة و هناك عناق. هنا ثورة و هناك كفاح..هنا نجاح و هناك ابتهاج..هنا مت و هناك الفناء. كم تحمل من الالم يا عزيزي كم! لقد قتلت آخر خلية عاطفية داخلي..فمتى الموت متى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النيتشوية...فلسفة لغير زمانها - محمد الأمين

يقول ميشيل فوكو، ثلاثة استط ا عوا تدشين النقد الجذري للحداثة في الغرب وهم: ماركس نيتشه وفرويد. لربما جميعنا نعلم  مدى تأثير فلسفة ماركس الإجتماعية و الإقتصادية على العالم أجمع فمن تحت عباءة ماركس خرجت الإشتراكيّة و ديكتاتورية البروليتارية و هيّئت لبلوغ المجتمع مرحلة الشيوعية التي طالت قارات العالم . كما أن فرويد هو الرائد في إخراج الإنسان من مركزيّته في العالم و زعزعة مكانته بين الكائنات الأخرى إذ أنه سلخ عنه صفة الصفوة ليجعل منه منقاد للغرائز و الرغبات فبذلك يكون قد حطم أوهام الإنسان و أنزله عن العرش .  أما نيتشه و هو موضوع حديثنا، فهو فقيه اللغة الأكثر شهرة وسط المجتمع الفلسفي للذاعة أسلوبه بوصف الفلاسفة وعدائه مع المسيحية و أخلاقها. فبعدما وجه كانط نقد للعقل، و ماركس نقد للرأسمالية و فرويد نقداً للوعي، جاء نيتشه آخذا على عاتقه تحطيم الأوثان الأخلاقية  الضعيفة و نقدها من جذورها و استبدال الألواح القديمة بالألواح الجديدة بضربة المطرقة. معلنًا قيام مملكة الأرض والوفاء للأرض مبشّرًا بالإنسان الأعلى، النّسخة الجبّارة من الإنسان الحاليّ. فبرأي نيتشه ما الأنسان الا شيء...

لماذا لستُ ملحداً ولا مؤمناً؟

المقدمة لماذا لستُ ملحداً؟ سؤال يتطرق إلى دماغي اللطيف من وقت لأخر. لماذا وانا احمل المقومات لأكون ملحداً ومن أسئلة وحجج و براهين فلسفية. لماذا أن متدين؟ لأني لم أجد الألحاد مغري من حيث المقام و النوع. وأن الأيمان يوصل إلى الإجابة عن الأسئلة. والإيمان  يملك الحجج على الحجج و البراهين الفلسفية المناسبة. في هذا المقال او الكُتيب الصغير أحاول ان أفكر بصوت عالٍ معكم و أن أحاول بأفكار مشوشه متواضعة أن افصل القش عن الحّب, في مواضيع و مواضع مختلفة من الموضوع قيد البحث. لا أدعاء منِ للمعرفة ولا العلم المطلق بأي موضوع من هذه المواضيع. انني فقط احاول نفخ الغبار عن قضايا ومفاهيم قد غطاها الزمن بحروبه و سياسياته. وسأحاول أن اظهر وجه نظر الملحد تجاه الأيمان بـ « الدين» و المتدينين, و وجهة نظر المتدين تجاه « الألحاد» و الملحدين. ولكي نعرف من هو الملحد و المتدين علينا ان نعرف من الملحد و من المتدين اولاً, وما هو الدين, وماذا لو  كنت متدين او ماذا لو كنت ملحداً. فلتسأل نفسك. ماذا لو كنت الخصم؟ اكتب هذا ايماناً مني بأن مثل هذا الموضوع كفيل ان يفتح الأبواب لأمور حياتية نعيشها جميعاً و...