التخطي إلى المحتوى الرئيسي

النيتشوية...فلسفة لغير زمانها - محمد الأمين


يقول ميشيل فوكو، ثلاثة استطاعوا تدشين النقد الجذري للحداثة في الغرب وهم: ماركس نيتشه وفرويد. لربما جميعنا نعلم  مدى تأثير فلسفة ماركس الإجتماعية و الإقتصادية على العالم أجمع فمن تحت عباءة ماركس خرجت الإشتراكيّة و ديكتاتورية البروليتارية و هيّئت لبلوغ المجتمع مرحلة الشيوعية التي طالت قارات العالم.
كما أن فرويد هو الرائد في إخراج الإنسان من مركزيّته في العالم و زعزعة مكانته بين الكائنات الأخرى إذ أنه سلخ عنه صفة الصفوة ليجعل منه منقاد للغرائز و الرغبات فبذلك يكون قد حطم أوهام الإنسان و أنزله عن العرش
أما نيتشه و هو موضوع حديثنا، فهو فقيه اللغة الأكثر شهرة وسط المجتمع الفلسفي للذاعة أسلوبه بوصف الفلاسفة وعدائه مع المسيحية و أخلاقها. فبعدما وجه كانط نقد للعقل، و ماركس نقد للرأسمالية و فرويد نقداً للوعي، جاء نيتشه آخذا على عاتقه تحطيم الأوثان الأخلاقية  الضعيفة و نقدها من جذورها و استبدال الألواح القديمة بالألواح الجديدة بضربة المطرقة. معلنًا قيام مملكة الأرض والوفاء للأرض مبشّرًا بالإنسان الأعلى، النّسخة الجبّارة من الإنسان الحاليّ. فبرأي نيتشه ما الأنسان الا شيء يجب تخطيه. و أنّ الإنسان هو الجسر ما بين الحيوان و الإنسان الأعلى
طالت حركة الترجمة نيتشه في عالمنا العربي منذ قرن ونيّف بداية مع فرح انطوان 1906 الذي حاول تقديم نيتشه بترجمة شذرات متفرقة ونشرها في مجلة الجامعة، وترجمة فيليكس فارس لهكذا تكلم زرادشت وقد وقعت عليها إنتقادات كبيرة لجهة محاولات فارس تحريف المضمون وحذف ما لا يناسب مجتمعنا العربي و يهدد الدين بحسب الدراسات، وترجمة جيزيلا حجّار لكتاب ما وراء الخير والشّر وهو كتاب ممتاز مترجم عن الالمانية، وترجمة حسن قبيسي لكتاب أصل الأخلاق وفصلها الّتي حصدت جائزة ادبية، ولن نغفل أبدًا ترجمة علي مصباح للعديد من مؤلفات نيتشه عن الألمانية وترجمة محمد الناجي الذّي ترجم عن الفرنسية

ولكي نحيط إحاطة كافية بمؤلفات نيتشه في سبيل أن نفصل الحبّ عن القشّ  فمن الأفضل أن نعرض لعناوين كتبه الّتي عرض لها هو شخصياً في كتابه هذا هو الإنسان وفي مسودات آخرى. بداية مع ميلاد التراجيدية، ثم الفلسفة في العصر المأساوي الأغريقي، ودواعي غير موسمية، إنسانيّ مفرط  في إنسانيّته بجزئيه الأوّل و الثّاني، شوبنهاور كمربي، المسافر وظّله، الفجر، العلم المرح، هكذا تكلم زرادشت، ما وراء الخير والشر، جينالوجيا الأخلاق، نقيض المسيح، قضية فاغنر، غسق الأوثان، هذا هو الإنسان، بالاضافة لكتابات في الفيلولوجيا في بداية حياته

ما دفعني للدأب على هذا العمل هو أنني أرى شبابًا وشابّات مدفوعين بكلّ قدراتهم الفكريّة لتبجيل نيتشه، ممّا جعلني أدرك أن الأمر تخطى الإعجاب الأدبي و الفلسفي ليصل حدّ القدسيّة و يتحوّل تدريجياً ليصبح دينهم و ديانهم، الميزان الذي يزنون فيه أعمالهم و كأنه فتن الشباب الباحث عن مأوى، وكان الكلام المناسب لتلك الاذان، حتّى أصبح للجميع أسلوب حياة، ولا أنكر أنّي كنت واحدًا منهم في فترات الانبهار الكبرى قبل الوصول إلى فترة القرف الأكبر، لكن كما يقول المثل الشعبي " كان لابد أن يذوب الثلج ويبان المرج" و تغيب تلك الهالة التي تحيط به بشكل تدريجي لأنه ليس بتلك الإبداعية ولا بتلك اللطافة. لا اريد -والحق اقول لكم- ان ابخس من قيمته الفكرية ابدا، ولأكون في توافق تام  مع نفسي، فانا اقدر حق تقدير جزءً من فلسفته و انتقد أجزاء اخرى، ففي زمننا المعاصر يحاول بعض اتباع نيتشه الدوغمائيين اعادة احياء افكاره الميتة رغماً عن انفه، غافلين عن الفرق بين حاجات عصره و حاجات عصرنا، وبين تشبعه بالحداثة حتى الاختناق و بين فقرنا بحداثتنا الخاصه.
علينا كقرّاء ألّا نغفل الجانب الإجتماعي الّذي شكّل الرّحم لتلك الفلسفة و مقتضيات عصرها، ففلسفة نيتشه ليست فلسفة وحي، بل هي مسبوقة بتمهيدات ساهمت في نشأتها، هي بنت العصر الّذي ولدت فيه، وقد نضجت في تربة مهيئة لتأتي ثمارها، لذا فعلينا ألّا نفصل القضية عن واقعها وإلّا سنغرق في عواطفنا وانفعالاتنا غير الناضجة.

ربّما  نعلم جميعًا أن ما يميّز نيتشه هو أنّه يكتب على شكل شذرات، قد تكون الواحدة منها عبارة عن سطر واحد، لكن الشذرة في الحقيقة تحمل في داخلها الكثير من النصوص، إذا فكّكناها فسنجد داخل كل منها نصوصًا أخرى تعبّر عنها او تدلّ عليها، كما أنّ ما جعل من قراءة نصوص نيتشه تتّخذ عدّة أوجه هو قضيّة موت الكاتب، وهذا المصطلح يعني لدى أصحابه التفكيكيين أنّ النّصّ بعد موت الكاتب يصبح ملكًا للقارئ، يستعمله كما يشاء و يفهمه مثلما يشاء. نيتشه وبحكم اختصاصه كفقيه في اللغة يملك سلطانًا  واسعًا على تطويع الكلمات واستحضار الجذور الاولى للصفات و المصطلحات، وهذا  ما جعل من ترجمة كتبه من الألمانية الى العربية مباشرةً خطوة تحتاج الكثير من الجرأة، لان نيتشه باستعماله مصطلحًا معينًا قد يدلّ في ظاهره  على فلان، أما في باطنه فيدلّ على اخرين، وبذلك يكون قد ضرب، بقوّة اللّغة، سربًا من العصافير بحجر واحد، واحدى أعتى الصّعوبات الّتي واجهت المترجمين عن الالمانية كانت ترجمة مصطلح الإنسان الأعلى، فيقول مصباح: "إن أكثر ما استعصى علي و أرهقني  وجميع المترجمين لنيتشه إلى يومنا هذا هو محاولة ترجمة صحيحة لubermenschالنيتشاوية. جرت محاولات كثيرة في ترجمتها لكنها لم تكن موفقة. و الفرنسيين ترجموها الى الانسان الارقى و الانسان الأسمى، وبرأي لم تكن موفقة أيضاً، لان نيتشه فصل في عدة مواضع بين الناس، ولم يعنيها بهذا الشكل". لذلك فإنّ قراءة نيتشه ليست كقراءة مأثورات بسيطة أو أبيات شعر مفهومة و موجهة يتغنى بها القارئ، بل فكر يستحق التمعن و الغوص فيه، على الاقل ليستطيع القارئ العربي أن يكوّن خلفية واسعة وعميقة عنه. ففي هذا الفيلسوف سحر، و هو على دراية بذلك، إذ يقول في كتابه هذا هو الأنسان:" أما من كان شبيهًا بي في علوّ إرادته فسيحظى بالنشوة الحقيقية للمعرفة؛ ذلك إنني قادم من أعالٍ لم يحلق فوقها طائر، و عرفت أعماقًا لم تجرؤ قدم على التيه في أغوارها. لقد قيل لي إنه من غير الممكن لامرئ  ان يدع كتابا من كتبي اذا شرع في قراءته، إنني أدخل الاضطراب حتى على هجعة الليل"..
 لا تخلطوا بين نيتشه و شخص اخر ولا تتسرعوا بالحكم، و تربطوا مرضه العقلي بفلسفته فهذا سيكون ضرب من التعصب قد لا نستطيع تحمله فأعماله موجودة و مؤرخة و تاريخه المرضي موجود و مؤرخ فلنقرأ بهدوء. وإن من يريد ان يغترف من معين فلسفة نيتشه أن يتجهز لهواء الأعالي القارس و يحمل معه القدر المستطاع من العدة و العتيد لأنه سيمضي مع زرادشت و حيته و نسره من مغارة إلى اخرى. فكما يصفه الفيلسوف الفرنسي غاستون باشلار بأنه "فيلسوف الهواء والماء والنار"، في مطلع كل فجر سيكون مع نيتشه علم مرح و ميلاد جديد للتراجيديا، وفلسفة تعلمك السيولة مقابل الاستاتيكية في تفسير الرموز الهيلوغرافية للأصول الأخلاقية،
لكن كلّ هذا لن يعفيه من ضربات الاعتراضات والنقد. صحيح ان نيتشه كان يكتب للأجيال القادمة وقد قال في سابق أيامه أنه لن يعرفه أحد إلّا بعد الممات و أنّه سيصبح في الجامعات كراسي تدرس فيه زرادشت، وهذا ما حدث فعلاً إذ أن صيته قد ذاع في اوروبا والعالم.. كما أن له هذا الخطاب المعبر عنه: "أعرف قدري، ذات يوم سيقترن اسمي بذكرى شيء هائل رهيب، بأزمة لم يعرف لها مثيل على وجه الأرض، أعمق رجة في الوعي.. فأنا لست إنساناً، بل عبوة ديناميت!". انظرو ها هو ذا نيتشه ابن الارض الا اخلاقي الذي ايقظ الحداثة الغربية من سباتها الدوغماطيقي بالانفجارات والرعب والتحطيم دون رحمة ولا شفقة. لكن لماذا لانه في نهاية المطاف يفعل فعل النحات إذ أنّه يضرب بكل قوّته ودون شفقة على المرمر ليخرج في النهاية قطعة فنيه فريدة الى الوجود.
انطلاقاً من قضية فهم الرحم الفلسفي الذي تشبع به نيتشه و نضجت داخله افكاره إلى ان حان موعد ولادتها،  فضلت بداية الشروع  في الكلام عن مرحلة الحداثة و مشروع ما بعد الحداثة بشكل مقتضب و مفيد، كموضوعين أساسيين في سبيل التمهيد لفهم الاساسات الفلسفية لنيتشه و نواياه من خلفها، لذلك اغفالنا لهذه المواضيع سيترك فجوات معرفية و لغط في الفهم و التفسير و التحليل، فلا نمو لبذور فلسفية خارج التربة المناسبة.
الحداثة:
إن الحداثة في سياقها الغربي، تشير بوجه عام الى سيرورة الاشياء بعد أن كان يشار الى جوهرها وتفرض صورة جديدة للانسان والعقل والهوية، تتناقض جذريا مع ما كان سائدا في القرون الوسطى. وهي منظومة فكريّة و جمالية ظهرت بشكل جليّ و واضح المعالم في منتصف القرن التاسع عشر، لكنها تعود بجذورها الى آخر القرن الخامس عشر و تحديدا اول القرن السادس عشر.
 فالحداثة هي عملية تراكمية و ليست بنت اللحظة التي ظهرت فيها، إذ أنها تكوّنت من خلال عمليات تطورية اجتماعية و تمرد على الأنماط السائدة في ذلك العصر و ذلك من خلال أحداث تاريخية كانت ممهدة للإنتفاض بهذا الشكل بغية التخلص من عصور الظلام ومن القمقم الكنسيّ والدغمائية الفكرية والخروج بمشروع نهضوي لربط أوروبا بجذورها الاغريقية القديمة، واطلاق العنان للفكر الانساني الخصب بعد أن كانت الفلسفة والعلم يغلق عليهما في الدٍرجة خوفاً من عقاب رجال الدين وتمهيدًا لعصر الأنوار الواعد انطلقت الشرارة الأولى، إذا جاز التعبير، من خلال  الانتقال الجمالي من الموسيقى القديمة الى موسيقى النهضة و اطلاق العنان للابداعات المعمارية و نبذ كل ما يربط الإنسان بالعصور المظلمة الاوروبية كما ان مشروع الحداثة في طريقه نحو التحقق أجرى تحولات في طبيعة كتابة الرواية بجهود الكتاب والشعراء فانتقلوا من الرواية  الكلاسيكية الى الرومنسية مع ادغار الن بو من ثم إلى الواقعية مع فلوبير و الرمزية مع بودلير. كل هذا بجهود جمهرة من الكتاب و الفنانيين رسامين ومعماريين وموسيقيين وغيرهم في مجالات الاختصاص. فاذا اردنا ان نبلور نشأة مشروع الحداثة في ذهن القارئ فنقسمها الى احداث تاريخية، كانت الاعمدة التي سنتصب عليها الحداثة و تتكتل في القرن التاسع عشر، فمن هذه الاحداث الفاصلة في مسيرة هذا المشروع  هو دخول الإصلاح الديني في اوروبا المسيحية وخوضها حرب شعواء لمئة عام انتهت بتقاسم النفوذ المسيحي بين الطوائف، مما جعل من هذه الحركات الاصلاحية أساسا لدفع العقول نحو التعقل بالنص الديني

ثانياً، الثورة الزراعية و استحداث آليات تواكب العصر في الزراعة و استخدام الأسمدة الكيميائية السريعة و إدخال آلات الحراثة و نشر البذور مما أفسح المجال أمام أصحاب رؤوس المال بإنتاج و تصدير ضعف ما كان يحصده سابقا المزارع لوحده  وتتبعها الثورة الصناعية أولاً في انكلترا و لحقتها دول اوروبا والعالم وظهور أول اله بخاريه في القرن الثامن عشر في انكلترا لقوتها الاقتصادية في تلك الفترة. دخول المكنات مجال الصناعة و الانتاج السريع  في النسج و الغزل و اختراع الات لصهر الحديد بمراجل مقابل اليد العاملة التقليدية، كما مهد  هذا التطور الصناعي لظهور الرأسمالية و الطبقات الاجتماعية، و تسيير العمل والتجارة وزيادة الانتاج والتخلص من طرق الصناعة التقليدية كما ان نمو القطاع الصناعي وفر فرص عمل كبيرة و ازداد الطلب على الاسواق مما أفسح المجال أمام المشاريع الاستعمارية التوسعية

ثالثًا، الثورة العلمية في مجال الفلك والفيزياء والانطلاق من قواعد علمية لتفسير الحركة الكونية و توجيه ضربه طفيفة للتفسير الديني من كوبرنيكوس و جاليلو وبروز نجم كل من لامارك و الفرد والس و تشارلز داروين في نظريات التطور و الارتقاء لدى الكائنات الحية و ضرب التفسير المسيحي لقصة الخلق

رابعا، الثورة الفكرية، و اعلاء مرتبة العقل على مرتبة المقدس و تكوين الذات المفكرة. إن مكانة الفرد في المجتمع وذاتيته هي من المواضيع الجد مهمة في حين تحدثنا عن مشروع بضخامة الحداثة فالانسان بما يحمله من مقومات تفصله عن الحيوان يهدف الى الارتقاء والتفرد بتلك المميزات ويسعى إلى أن يمتلك العالم اذا استطاع اليه سبيلا. فبدأ بالتأكيد على دور العقل و الفطرة لدى ديكارت عميد المذهب العقلي و الكوجيتو خاصته،" انا افكر اذا انا موجود" كأساس للحقيقة وكقيمة مطلقة وخط  فاصل بين عالم الآلهة القديم وعالم الانسان الحديث، وجعله مركزًا للكون والإعلاء من قيمة الوعي و تمركز الانسان كموضوع مستقل له طرق تفكيره وخصوصيته. حيث اصبح الانسان الحديث يرى صورته في مرآة يتمثل العالم من خلالها، وأخذ يدرك نفسه كذات مستقلة ومتميزة عن الطبيعة، وهو ما دفع الانسان الى السيطرة عليها واخضاعها لمشيئته. كما أصبح الانسان يستمد يقينه من ذاته، وليس من عقيدة او سلطة، غير سلطة ذاته. فكما قال فرنسيس بيكون صاحب المذهب التجريبي الأول أن المعرفة تخولنا السيطرة على الطبيعة. بعده جاء اصحاب المذهب التجريبي لوك و هيوم فأنكر لوك دور الفطرة التي قال بها ديكارت و العقل في تخزين المعلومات واتخذوا التجربة مصدرًا للمعرفة و تكوين الخبرات من خلال مركبات بسيطة و اخرى مركبة، وتبعه هيوم فشدد في مقولته على إقصاء الميتافيزيقا حيث قال : اذا وقع بين يديك كتاب في اللاهوت فلترمِ به إلى النار، و حرر اشكاليات شكية حول قانون العلية والمعجزات والدين وذلك كان محظورًا في فترة القرون الوسطى. اما كانط الجامع بين المذهب العقلي من جهة و الامبريقي من جهة اخرى، اعتبر أن التفاعل الموجود بين الذات والعالم الخارجي هو مصدر لتكوين اي موضوع وهو محصور ضمن نطاق المعرفة المستقاة من الاشارات المنقولة بين الحواس و الموجودات في العالم  في صيغة أحاسيس، فتراكم المعلومات الحسية لدى العقل يؤدي الى تكوين صورة أو هوية (فكرة) لهذه المعلومات، ثم يقوم الذهن بعملية غربلة وتنظيم لهذه المعلومات في نظام معين كي تصبح فيما بعد مقولات داخل عقل الذات وغير خاضعة للاحساس الخارجي، ثابتة ومستقرة وكأنها الميزان المعتمد لتعير المواضيع.حيث تصبح فيما بعد النظام الداخلي الخاص الموجود في عقل الانسان  الذي يصدر الاحكام على المعلومات (الاحاسيس) الجديدة الاتية لتلك الذات من الخارج. اما هيغل فان الحداثة برأيه شكلت ارتدادا الى الذات وكونت بنية علاقة مع الذات دعاها هيغل بالذاتية او الآنية أي حرية الذات، التي هي بشكل عام مبدأ العالم (الازمنة الحديثة) وشرحها بالحرية. حيث قال، إن مكون أهمية وعظمة عصرنا هو الاعتراف بالحرية ووصفها بالروح، وحقيقة كونها بذاتها. فصحيح أن الاوروبيين بحركتهم النهضاوية احدثوا قطيعة مع الكنيسة لكنهم لم يقطعوا علاقتهم بالميتافيزيقا بالمطلق، و كانت الضربات التحررية تتهاوى على رؤوس كل من كبت نفوس الثوار إلى أن اطلقت الثورة الفرنسية معلنة الانقلاب على الحكم الملكي الطاغي و على رجال الدين معلنين صيحتهم، "اشنقوا اول ملك بأمعاء اخر قديس ". و كان للثورة انذاك فضل كبير على تحويل فرنسا للعلمنة و لحقتها اوروبا و تتوجت الصورة بالمطالبة بالديمقراطية والمساواة و الأخاء وذلك كان في القرن الثامن عشر. وكانت هذه الافكار من معبدات الطريق لاكتمال مشروع الحداثة في بزوغ فجر عصر الانوار و تحرر العقل الانساني من قيد الموروث، وخير مقال ما قاله كانط عندما وجه اليه سؤال: " ما هي الانوار؟" فقال:
"
إن الأنوار هي خروج الإنسان من القصور وعدم الرشد الذي سببه لنفسه بنفسه. القصور هو إعاقة عدم استعمال المرء لعقله دون قيادة شخص آخر. وتسبب بشيئ للذات بالذات هو هذا القصور، عندما لا يكمن سبب هذا الأخير في ضعف في العقل، بل في غياب قرار وشجاعة استعمال العقل الذاتي دون قيادة شخص آخر. إن شعار الأنوار هو، لتكن لك الشجاعة لاستعمال عقلك الذاتي... "
انفصال علم النفس عن الفلسفة على يد وليم فونت ليصبح علماً قائما بذاته.

خامساً، الحركات السياسية في القرنين السابع عشر والثامن عشر ومحاولات إعادة لم شمل المقاطعات الاوروبية و توحيد  اوروبا من التشظي. مثال على ذاك ما فعله بسمارك في بروسيا ضد النمسا و فرنسا، بعد ان اعلن في خطابه الشهير في البرلمان:" إن انظار ألمانيا لا تتطلع إلى الحركة التحررية البروسية بل إلى قوة بروسيا... وإن مشاكل العصر المهمة لا تحل بالخطب ومقررات الاكثرية بل بالدم والحديد». و حركات الثوار بقيادة غاريبالدي في إيطاليا

سادساً، الثورة التقنية ابتداءً من صناعة أول آلة طابعة على يد كوتنبيرغ والمصباح مع اديسون والهاتف الاول مع الكساندر غيرهام. و الرياد في صناعة الاسلحة المتطورة نسبة لما كان موجود في الماضي فكان أول ظهور للبندقية الالية في بروسية بوجه البندقية التي تزود بالبارود من الأمام مما عجل بانتصار بروسيا على النمسا في الحرب...وغيرها من الاختراعات المنشطة لبناء صرح حداثي راسخ و جذري
هذه المرحلة كما سبق وقلنا هي مرحلة تراكمية بدأ ظهورها بشكل تغيرات بطيئة و خجولة ثم تعالت الاصوات و تحركت المحركات و اشتد عود الجماهير و ارتفعت الصيحات و تحركت الاقلام و أعلن تحرر الانسان من قيود الماضي و تم تنصيبه في مركز الكون وأصبح مالك السيادة و الاستقلالية. كما أن الحداثة هي مرحلة الحقيقة، تعتبر الحداثة أن الحقيقة واحدة وصحيحة بالمطلق و أنه وسط الحقائق هناك حقيقة واحدة صحيحة، وان كان على سبيل القضية هي اصحية الدين برأي الحداثيين انه وسط مجموعة من الاديان من المؤكد أنه هنالك دين واحد صحيح فقط.، اذاً هناك دين واحد و طريق واحد حقيقي وطالما هنالك طريق واحد حقيقي اذا هناك نهاية صحيحة واحدة و حقيقية والمختلف هو المتخلف عن الحقيقة الثابتة. و كذلك هناك نظرية واحدة ثابتة  وصحيحة لتفسير كل شيء. و طالما النظرية تطابق الواقع فانها صحيحة و قابلة للمعرفة و الفهم. و تعتبر النصوص مبنية على عقليات معينة فتعتمد الطريقة التفسيرية و التأويلية في النصوص و الخطابات، كما أن حركة الأستاتيكية الاجتماعية  والايديولوجيات الراسخة و القصص الكبيرة و الشعارات الرنانة و الانطلاقات نحو افاق جديدة بمقولات جديدة تحت شعارات هي تاج الحداثة مثل الديمقراطية والمساواة والعدل والحرية و الاستقلال. فيقول فيلسوف الحداثة الاكبر حالياً يورغان هابرماس : " ان الحداثة هي الوعي بالمرحلة التاريخية التي تقيم علاقة مع الماضي من اجل ان تفهم ذاتها باعتبارها نوع من الانتقال او العبور من الماضي الى الحاضر". 
في النهاية كان لهذا المشروع الحداثي ان يخلق سبب افوله من داخله اذ انه وفقا لما سنأتي على ذكره لاحقا سيقوم في مواجهة الحداثة مجموعة من المفكرين يطلقون على انفسهم الما بعد حداثيين. حيث انهم وجدوا ان الحداثة قد استنفدت قواها و فشلت في تطبيق مشروعها بشكل سليم فقد اخرجت الشعوب من قرون وسطى غارقة في الجهل إلى سنوات غارقة في الغبار والجلادين الرأسماليين لذلك ظهر ما يعرف بما بعد الحداثة. و يذكر هابرماس أيضاً ان المجتمعات الراسمالية يتم فيها الحد من دور العقل ) .وقد تحولت الحداثة الى ايديولوجيا انتجت خطابا غائيا (الفاشية نموذجا ), والهت العقل وحولته الى اداة وأقصت الديني باعتباره فكر منافي للعقلانية
و الجدير بالذكر ان هابرماس هو من المدافعين الحاليين عن الحداثة في مواجهة تيار ما بعد الحداثة. باعتبار لديه أنها مشروع لم يكتمل بعد.
ما بعد الحداثة
سأسمي هذا المشروع  بمشروع السيلان الكبير. مشروع الجثث والاركيولوجيات  و التفكيك، وكي لا أكون متحذلقًا سأسميه مشروع اعادة كتابة الحداثة. و قد عبر عنه جان فرنسوا ليوتارد  في كتابه ( في معنى ما بعد الحداثة) ب " ان نعيد الساعة الى الصفر، التي تقوم على مبدأ الطاولة الفارغة، الحركة التى تدشن بدفعة واحدة بداية عصر و تحقيب جديدين...معنى الرجوع الى نقطة الأنطلاق لبداية نعتقد انها خالية من اي حكم مسبق لاننا نعتقد ان الاحكام المسبقة تنجم عن تخزين و تقليد افكار اعتبرناها حقيقة دون اعادة التحقق منها ". و اعلن ايضا في كتابه (الوضع بعد الحداثي، تقرير عن المعرفة)، " ان اهم معالم المرحلة الراهنة من معالم المرحلة الانسانية، هو سقوط النظريات الكبرى، و عجزها عن قراءة العالم". 
فنظرية نيوتن الفيزيائية كانت تعد نظرية ثورية و واقعية حقيقية و كانت برأي الحداثيين تفسر العالم تفسيرًا علميا موضوعيا. فحلت مكانها النظرية النسبية لاينشتاين و اثبتت ان النظرية النيوتنية غير كاملة وغير صحيحة بشكل كاف. و جاءت بعدها النظرية الكمومية و فسرت العالم تفسيرا ذرياً. و بعدما كان يظن ان العالم عبارة عن ذرات مؤلفة من نيوترونات و بروتونان و الكترونات  و هذه حقيقة كبرى، بعدها تم اكتشاف اجزاء كوركات اصغر حجماً من الالكترونيات..وغيرها من النظريات العلمية الكبرى التي اخذت مجدها، و كانت مؤاخذة المابعد حداثيين على هذه النقطة انه في العلوم لا حقيقة ثابتة
يمكننا القول بان مشروع ما بعد الحداثة - غير المعرّف بعد في الاوساط الفلسفية بشكل واضح و صريح حتى من قبل الناشطين فيه، فهنا نتحدث عنه ولا نُعرفه- هو مشروع الفلسفة الغربية الأكبر بعد المشروع الحداثي، و هو مشروع تقويض الميتافيزيقا و تجاوزها، و قد تشكلت من مواقف عدة لفلاسفة و مفكرين اشكلوا على نقاط الحداثة السابقة و كل منهم بطريقته و أدواته فمن خلال ديناميت نيتشه و تفكيكية دريدا و بنياوية التوسير و احفوريات فوكو و وجودية هيدغر و ظاهرتية هوسرل و انثروبولوجية شتراوس و لغة فجنشتاين، شاعرية بشلار الفلسفية و تحليلية فرويد و رمزية لاكان وكلهم ينصبون في  اعلان جان ليوتار موت الحداثة.. وغيرهم كثر من جموع الكتاب الاخرين. وكانت وجهة هؤلاء الفلاسفة هي إعادة النظر بشكل جذري وصارم بمقولات الحداثة الكبرى والوقوف موقف الشك المطلق من السرديات الكبرى كالعقل والحقيقة التي هي من صنع المجتمعات وتختلف باختلافهم والذات والواقع بحسب رؤية كل فرد لواقعه.
إن الفترة الممتدّة ما بين أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ستكون مرحلة الانهيارات الكبرى، تحديدا انهيار الايديولوجيات، لا سيّما النازيّة والشيوعية منها والتّي فشلت برأي الما بعد حداثيين في الوفاء بوعودها. كما أنّ الحداثة في اواخرها تلقت ضربات قاضية من كانط، عبر نقده لقدرة العقل على إصدار الأحكام، ونفيه قدرته على الحكم على الأشياء واستحالة الوصول الى الله أو برهنة وجوده باستخدام العقل، وذلك من خلال مؤلفاته "نقد العقل المحض" و" الدين في حدود العقل". وبعده ماركس عبر مؤلفه الضخم : "راس المال" والذي وجّه ضربة بمطرقة العمال لنافوخ الرأسمالية قبل استغلال أفكاره من قبل الشيوعيين. إنهما وأعني كانط وماركس كانا من الممهدين، ولو بشكل فرديّ في تعبيد الطريق أمام المهدم الأكبر – بحسب المفكرين العرب والغربيين – فريدريك نيتشه والذي فجّر الطاولة الأخلاقية الميتافيزيقية ولم يكتفِ بقلبها فحسب والذي سنذكره باستفاضة فيما بعد..
نتج عن هذه الحركة –إذا صح التعبير-انهيار الحقيقة الواحدة والصحيحة التي كان يتغنى بها الحداثيون، واستبدلها الما بعد حداثيون بالحقيقة النسبية إذ إن الحداثيين يعودون لمركز، يحكمون على اساسه  على حقيقة واقع الشيء من عدمه، لكن في ما بعد الحداثة، لا مركزية يُرجع اليها. و من هنا ارتأيت أن أسمي ما بعد الحداثة: فلسفة السيلان. اذ أنها لا ترسي في مرسى ولا تعود لنقطة بداية واحدة بل إلى نقاط و مراكز.

لا حقيقة ولا مركز؟ لكن كيف نحصل على المعرفة؟ لا معرفة خارج النص والنص لا يمكن قراءته بمعزل عن اسهامات القارئ نفسه في ان يضيف شيئا من ذاته اليه. والمعرفة انتقلت بالقوى والسلطة وقد انقسمت ما بعد الحداثة بين اتجاهين الاتجاه التفكيكي مع جاك داريدا والاتجاه المعرفي والسلطوية مع ميشيل فوكو. والاثنان من المتأثرين مباشرة بفلسفة نيتشه، وبالأخص جاك دريدا.
من يهموننا هنا هم ثلاثة من أنجب تلاميذ نيتشه و أكثرهم تأثيرا: أولهم جاك داريدا، و النص عنده غير تام و دال. ألّف داريدا ثلاثة كتب مهمة (في النحو) (الكتابة والاختلاف) و (الصوت والظاهرة). لماذا علينا معرفة ذلك؟ لان داريدا ابتكر كلمات فرنسية جديدة، وجها تعبر عنه ولا ترتبط بشيء من المصطلحات المتداولة. ان الطريقة التفكيكية هي تفكيك النصوص الى نصوص اخرى تكمن داخل النص الواحد فيقول داريدا: اذا تناولنا نص من النصوص و قرأناها سنجده هو ذاته قد جمع من عدة نصوص اخرى و هذه النصوص الأخرى ايضا قد جاءت من نصوص غيره و هكذا الى ما لا نهاية. و هذا ما يعرف بالنصوصية ( التناصّ). اذ انه لا مركز يتكئ عليه، ويرفض بطبيعة الحال دريدا أن تسمى طريقته مذهب او حتى طريقة! لانه حينها سيكون عليها ان تتكون من قواعد و اسس هي نفسها خارجة عن القواعد و الاسس المضبوطة، كما أن التفكيكية صاحبة مصطلح موت المؤلف الذي لحقه مصطلح موت الشخصيات في القصص ما بعد الحداثية. فموت المؤلف يعني حقيقةً موت صاحب القصة مما يفتح الباب على مصراعيه أمام الكاتب بالمشاركة في إعادة تأليف القصة بحسب ذوق القارئ فيصبح شريكًا بالكتابة بعد موت الكاتب فيسرد فيها اسقاطاته و تماهياته، واختفاء الشخصيات في القصة. ان دريدا يعتبر أن النص مستغلق الفهم، يموج بما يمكن أن نسميه بالوفرة التعبيرية الزائدة عن الحاجة، لكن السؤال الذي ينبعُ من اهم كتبه ( في النحو) هو: كيف يمكننا فهم المعنى الإنساني في الوقت الذي تعلن فيه الميتافيزيقا عن موتها؟!
اما الثاني فهو هايدغر: الكاتب الذي حمل على عاتقه اسئلة القرن العشرين و هو فيلسوف الماني تتلمذ على يد هوسرل حتى تشبع بالفلسفة الفينومينولوجية ولاحقاً أصبح يعرف بالمتحدث باسم الوجودية وله مؤلفات كثيرة منها نهاية الفلسفة ومهمة التفكير الذي يميز فيه بين الفلسفة كميتافيزيقا والتفكير كما يفهمه، فالتفكير عند هايدغر اسهل بكثير من الفلسفة لهذا هو اصعب بكثير من الانجاز، ويتطلب عناية جديدة باللغة وليس بابتكار مصطلحات جديدة كما كان يعتقد سابقاً، بل بالعودة الى المضمون الأصلي للغة التي هي اخذه في الأضمحلال، وعلى المفسر القادم في المستقبل تقع مهمة الاطّلاع على الطريق التي هيئها هيدغر، وأن يقبل ما قاله هانريش فون كلايست: "انحني أمام ذلك الذي وانحني قبل مجيء روحه التي ليست هنا بعد"، وكتابه الكينونة و الزمن، والسؤال الأساسي الذي ينبعُ من هذا الكتاب هو سؤال أنطولوجي بالأساس حاول هايدجر من خلاله إعادة توجيه وجهة الفلسفة الأوروبية من الأبستمولوجيا التي غرقت فيها منذ السؤال الكانطي، إلى الأنطولوجيا حيث البحث عن معنى الوجود. ينطلق هايدجر في كتابه من الوجود الإنساني ذاته باعتباره الوجود الأقرب إلينا، ويعتبره نافذة تطلّ على معنى الوجود بشكل أوسع.
و ثالثهم ميشيل فوكو الثائر الفرنسي، صاحب منظور ان لا حقيقة خارج السلطة، و وريث جينيولوجيا نيتشه الشرعي ليعيد إخراجها بشكل اركيولوجيا المعرفة كعنوان كتابه، لقد اقترح فوكو القيام بدراسة مجهرية معمقة من جهة التاريخ وفلسفة الظواهر الدقيقة مثل الجنون والموت والجنسانية والسجن والعناية بالذات والسلطة في مختلف تجلياتها وممارساتها العلنية والمجهرية بغية فهم المعرفة من خلال تاريخها الخاص بها. ومن كتبه المهمة : اركيولوجيا المعرفة ( حفريات المعرفة) و يناقش في موضوع تشكل الحقيقة وماهيتها فيقول فوكو في الحقيقة أنها الإرادة هي وحدها القادرة على تحديد ما هو حقيقي وماهو ضمن الحقيقي، وانطلاقا من ذلك يحدد ميشيل فوكو أربعة أنماط لقول الحقيقة، النبوي و الفلسفي و السياسي. إننا إذن بصدد دعوة فوكاوية تقوم علي ضرورة الانتقال من الحالة الابستمولوجية إلي الحالة الاستراتيجية، أي بتأسيس خطاب جديد يقوم علي أنقاض خطاب الحداثة، هذا الخطاب الجديد استقبلته مقولتان-التشاؤم من العلوم الإنسانية وإعلان موت الإنسان، فالتشاؤم من العلوم الإنسانية نابع من كون المعرفة المتشكلة في خطاب العلوم الإنسانية كان هدفها هو إخضاع الأفراد لعلاقات السلطة البرجوازية أي استثمارهم سياسيا واجتماعيا ونفسيا باعتبارهم قوة للإنتاج المادي تساعد علي تنمية وخدمة الطبقة البرجوازية الصاعدة أما الأجساد التي لا تنتج ولا تخضع لعلاقات السلطة كالمجانين والمجرمين مثلا فيجب إقصاءهم ونبذهم من المجتمع وكما قال ميشيل فوكو"الجسد لا يصبح قوة مفيدة إلا إذا كان في نفس الوقت جسدا منتجا وجسدا مستعبدا".كما انه مات الانسان لانه لم يستطيع المحافظة على قوته الفكرية و التعبيرية و لا بأس في ذلك في سبيل الوصول للانسان الامثل و هذا صدى نيتشه يصدح هنا.
الظاهر من حياة فوكو و كتاباته انه ثائر على الانساق الفلسفية السابقة و نظرتها الى الانسان و المعرفة، كما انه انتهج منهج مثاله الأعلى نيتشه إذ أن اغلب كتاباته تتعاطى التأريخ مثل تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، و يعتقد أنه كتبه لتبرئة نيتشه من تهمة الجنون و قارئ الكتاب سيفهم القصد من التشبيه، كما أنه كتب تاريخ الجنسانية وفيه عرض رؤيته عن علاقة الانسان بالجسد، تاريخ العيادة أشبه بحفريات في التشخيص الطبي و هو يقتفي اثر تطور الطب العيادي بشكل خاص، و حفريات المعرفة و الذي يدل من اسمه على عمليات التنقيب
إن مشروع ما بعد الحداثة المتمثل في جهود هؤلاء الفلاسفة و غيرهم هو مشروع لا مركزية فيه ولا موضوعية ولا حقائق لها سمات وخصائص تمجد عدم التحديد واللامعنى والتعددية والاختلاف والنسبية فى النظر إلى الواقع وتعلي من قيمة الثقافة والمعرفة في توجيه المجتمع الانساني.
 وفيه من المرونة أنه يحمل اللغة على ألف محمل و تختل فيه وتنفصل علاقة الدال بالمدلول، فقبل ما بعد الحداثة كان على سبيل المثال لمصطلح أسرة دلالة واحدة و هي رجل و امرأة يتزوجان و ينجبان أولادًا، اما في مرحلة ما بعد الحداثة فمع الّنظر بريبية لحقيقة ومعنى المصطلحات وسيولة استخداماتها دون مرجعية موضوعية أصبح  لمصطلح "أسرة" معانٍ عدّة  فقد يعني رجل و رجل يتزوجان مع اولاد بالتبني أو بدونهم، أو امرأتان متزوجتان، أو رجل و امرأة متزوجان و لديهما أولاد ثم يقرر الزوج الزواج من رجل ليسكن معهما.
 ففي علم الاجتماع الأسرة هي تنظيم اجتماعي و روابط وعلاقات بين أفراد البيت الواحد  والباب مفتوح أمام هذا التنظيم بأنواعه وأشكاله. والقطة هو اسم لحيوان.. لكن هل يحمل ماهية القطة؟ بل حقيقة القطة هي حقيقة فردية و التسمية تسمية اتفاقية بين الناس تختلف باختلاف اللغات وما اللّغة الا اداة من ادوات إنتاج الوهم. فاللغة نقل إعتباطي لصفات الإنسان إلى الأشياء، والإنسان في استعماله يتعسف في رسم حدود الأسماء والكلمات وهذا يعني استحالة التوصل إلى حقائق الأشياء من خلال الكلمات، ولا إلى تعبير مطابق للواقع، ما الحقيقة إذن؟ أنها حشد متحرك من الاستعارات والكنايات والتشبيهات، إنها جملة من العلاقات البشرية، صارت بعد طول استعمال حقائق صلبة، شرعية. وهذا باختصار رأي الما بعد حداثين. 
إن الميتافيزيقا الغربية تقف على قدميها بعودتها إلى ثوابت و مرجعيات عقلية و حقائق موضوعية وصادقة من وجهة نظرهم. أما تيار مجاوزة الميتافيزيقا الما بعد حداثي اخذ على عاتقه تكوين نظرته على اللا اساس واللا حقيقة في عرض بحر متلاطم الامواج تأخذه التيارات ذات اليمين و ذات اليسار و هو يحاول البقاء في الوسط، فلكي تتجاوز الميتافيزيقا الحداثية ما عليك الا أن تضرب المركز فيتداعى الصرح المعتقدي.
 فأولاً مات الله مع نيتشه وهو الركيزة الأساسية للميتافيزيقا، بعدها مات المؤلف وتفككت النصوص عند داريدا و في النهاية مات الأنسان والأنسان اختراع.
 تظهر أركيولوجيا فكرنا بسهولة حداثة عهده، وربما نهايته القريبة عند فوكو و الكساندر كوجيف في كتابه ( مدخل الى قرأت هيجل)، إن نهاية التاريخ هي موت الانسان بما هو انسان على الوجه الاحق. إذ أن الانسان عند كوجيف هو  العدم بل هو الموت.
في النهاية ما هذا الا مدخل لقرأت نيتشه وليس نقدًا لفلسفته البته، بل تناول جوانب فلسفته بشكل منصف،بالحجج والتوضيح من وجهة نظري و قراءتي له لسنوات والدليل هو الفاصل.
 و تناول المؤاخذات و الاتهامات من قضية الشمولية و المرأة التي فرضت على نيتشه و عرضها على مائدة التفصيل و التبيان. لنكون على وعي مع من نتعامل و عمّا نقتبس.
ان الفلاسفة المابعد حداثين الذين ذكرتهم سابقاً خرجوا من تحت شارب نيتشه و كما يقول المفكر عبدالوهاب المسيري، في احد محاضراته " ان كل فلسفة بعد نيتشه هي فلسفة نيتشاوية". فمن الصعب ان تجد كتاب او كاتب ما بعد نيتشه لم يتأثر بنيتشه، كجيل دولوز مثلاً الذي كتب برأي انا معجم رموز نيتشه بكتاب تحت عنوان ( نيتشه) و اخر بعنوان ( نيتشه و الفلسفة). و باشلار الذي كتب اجمل الكلمات الشعرية و ارقاها بحق نيتشه تحت عنوان ( نيتشه شاعر الهواء و القمم والصقيع)، و بيتر سلوتردايك الفيلسوف النيتشوي، بذات الوقت لم يرحم نيتشه من سياطه النقدية، و سناتي على ذكرهم فيما سيأتي
فلكي نفهم توجه نيتشه و قصده و مشروعه النقدي الجذري للأخلاق الميتافيزيقية و الحقيقة و الحرية و عدائه لديانة الوهن السردابية المسيحية و مقته للديمقراطية و غيرها من النقاط الذي آثارها في كتبه المطروحة سابقا كان لا بد من فهم السياق الذي برز فيه نيتشه كأول منفذ صريح لعملية اخصاء الميتافيزيقا. فلا يخلوا كتاب من الكتب اذا ما تحدث عن مشروع مجاوزة الميتافيزيقا الا و ذكر نيتشه كأول محطم للاصنام الفكرية و بتعبيره بزرادشت جاء بالواح جديدة عوضا عن الالواح القديمة. فما علينا سوى ان نتمعن بنقد المابعد حداثيين للحقيقة وان الفلسفة الما بعد حداثية مفتوحة على كل الاحتمالات دون مركز و تحكمها العواصف، حتى تتفتح أمامنا خزائن نيتشه و تُفك طلاسم شذراته.
كما سبق وذكرت عن لسان الدكتور عبدالوهاب المسيري، ان كل فلسفة بعد نيتشه هي فلسفة نيتشاوية، وذلك لأن لنيتشه الفضل الاكبر في فتح الطريق أمام جموع الفلاسفة و المفكرين. فبطريقة هزلية يمكننا القول انه في الوقت الذي كانت الجماهير المفكرة الثائرة واقفة على بوابة الحداثة لا تعرف ماذا عليها ان تفعل قفز نيتشه من بينهم حاملاً مطرقته، كسر الاغلال و اعلن الفوضى!

ان طموح نيتشه الأسمى و جل غايته هو ما يرقي الأنسان و يوقظ المحارب الذي يقطن داخله، و قد أرهقته الفرائض و أنظار مسممي الحياة الذين يشخصون بأعينهم الى ما يسكن النجوم مهملين ما تعطيه الارض. مبشراً عبر زرادشت بأنسانه الأعلى و هو الغاية من كل الوجود برأيه حيث أشهر مطرقته بوجه أوثان التنوير والحقيقة الموضوعية والقوانين المهترئة وبوجه المنادين بالاخلاق المنزهة عن الهوى و أخلاق كانط في ذاتها.
 فلكي تصل الإنسانية للمرحلة التي تخولها ان ترتقي بنفسها كان لا بد من انفجارات و صواعق تزعزع مرقد الساكنين و تدفعهم للعيش في خطر لان الخطر يقوى الارادة ارادة البقاء و القوة
فبعد قرون من الاستهتار بارادة الانسان و قواه و دفعه ليكون في قطيع من النعاج باسم المقدس و المدنس و ان يدفن فضائله خجلاً من معارضة الحقيقة و المركز؟ ماذا فعل التحديث بمقابل اخراج الشعوب من الظلملت و الاصنام الاولى ليضعوهم امام صنم جديد. صنم الرأسمالية و العبودية الفكرية و الاستهلاكية و صنم المسيحية البولسية فقد تحرروا من نير الكنيسة لكنهم حملوا معهم الالم المصلوب معنونًا بحقيقة العالم و الماوراء.
فبرأي نيتشه كان من اللازم ان يتم تدمير كل شيء و نسف الاساسات التي بني عليها صرحهم ليبدأ  من جديد التحضير للأنسان الأوروبي الجسور بفضيلته و نبله و كرامته. فكان الحل هو الديناميت الذي سيفكك و ينقد بقسوة و عنف دون شفقة اساسات الفكر العقلاني التنويري و عناوينه الكبرى، كالحقيقة و العقل ما يحكمهما من اخلاق.
فقد طرح نيتشه سؤال اولي و هو: اذا كان العالم مادة فالمادة متحركة اذاً لا ثبات في العالم. واذا كان العالم متحرك، اذاً لا مطلق و كل الامور نسبية. و اذا كانت كل الامور نسبية، اذا كل الامور متساوية. واذا كانت كل الامور متساوية، اذا لا معنى ولا اخلاق.  و هذه هي الفضيحة الكبرى التي اعلنها نيتشه ضد كل الانساق الفكرية التنويرية و الحداثية.
الحقيقة:
ان الميتافيزيقا الغربية تهتدي في نموها الى الحقيقة و هي تعتبر المرجعية و الأصل لدى الفكر الحداثي الغربي. فما  كان لنيتشه الذي لا يؤمن بالحقيقة الموضوعية البته ان ينظر نظرة ثاقبة الى ضعضعة هذا الأصل بأكتشافه و اثبات ضعفه  اذ انه يتناول حقيقة من الحقائق المعتمدة و يعيد قراءتها بشكلها الأولى، قراءة تفكيكية ليبرز هشاشه منشأها، ولهذا يقول الفيلسوف الفرنسي لوك فيري ( اجمل قصة في تاريخ الفلسفة)، " انه سيتخذ فكر نيتشه شكلًا يسمى بـ”الجنيولوجيا“، أي دراسة الجذور الخفية لما تحمله الأوثان سرًا من أوهام خفية، وذلك قبل التحليل النفسي بأمد بعيد". اذا ان هذه اللاشكال من الأفكار في نهاية المطاف لا تعدو ان تكون افكار مركبة من معتقدات انسانية لا تحمل من الاصحية الا ما يخدم اصحابها و زمانها. و يقول نيتشه، بمعرفة الأصل تزداد تفاهة الأصل. اذ ان الامر هنا يتعلق بتأملات حول اصل احكامنا الأخلاقية السابقة، والاصل هنا ليس الحقيقة المركزية الثابتة واليقينية والصحيحة في ذاتها بل هو عرض تاريخي للوقوف عند الاصل الذي صدر عنه ذلك الاصل الذي غذاها منذ البداية فطبعها بطبعه. و يبين فاتيموا، "انها استعارات تتحرك من الشيء الى الصور الذهنية، ومن الصورة الى اللفظ الذي يتضمن تعبير عن حالة الفرد المزاجية، ومن هذه الحالة الى اللفظ الذي يفرضه العرف الاجتماعي على انه صحيح، ثم مره اخرى من هذا اللفظ المقنن الى الشيء الذي لا ندرك منه الا اكثر الملامح قابلية للاستعارة بسهولة في قاموس المفردات التي ورثناها". 
فالجينيولوجيا تأخذ قيمة من القيم و تعود برموزها الى اصول مشتتة تم تجميعها للدلالة على ما يخدم موقف ما و يمكن انتزاع المعنى منها لتصبح خاوية و دون قيمة تذكر. اذ يقول هيدغر: "ان المقصود ليس كيف صدرت الاشياء بل من اين تكونت..". و يتبعه فوكو فيقول بصدد الجينيولوجيا التاريخية، "... سيدرك الفرد ان وراء الاشياء هناك شيء اخر لكنه ليس السر الجوهري الخالد للأشياء، بل سر انها بدون سر جوهري.. وان ماهيتها قد تشكلت شيئاً فشيئاً و انطلاقة من اشكال غريبة عنها ".  للتوضيح، اذا اتخذنا قيمة الصالح او الحسن و الشرير فيقول نيتشه في جينيولوجيا الاخلاق،" و اكتشفت ان معنى كلمة صالح في الاشتقاقات  هو التميز او النبل بمعنى متميز من حيث الروح و النبيل تعني روحه علوية الجوهر.. بينما ما دون ذلك يكون عامي و سوقي و سافل و شرير. فالخبيث تساوي بسيط، اي شخص فقير و بسيط في اللغة الالمانية. كما انها في اليونانية في شعر ثيوغنيس، الصالح تعني نبيل و بينما الشرير و الكاذب تعني العامي.فالكلمة اللاتينيةmalusالشرير، تكون و
بجانب كلمة اسود بما تشير الى العامي داكن اللون...فسكان ايطاليا القديمة كانو داكنين بمقابل الغزاة الشقر الذين اصبحو اسياده لاحقاً . للوهلة الأولى يظن ان هذا هو حال الحكم الطبيعي، ما الجديد؟ الجديد ان القضية التي تكلم عنها نيتشه بخصوص هذه المعاني و مرادفاتها في اللغات و غيرها الكثير - في مؤلفه اصل الاخلاق و فصلها- انها لا تدل بالضرورة على ان الصالح هو صالح في ذاته بل هو صالح! بحسب ما يحقق لنا مكاسب و شرير بحسب ما يترك علينا من مشاكل و ايضا بحسب قيمة صاحبه الاجتماعية.
هنا تنفصم الحقيقة الى حقائق ليست صادرة عن مصدر واحد و لا مرجع واحد ليحكم بها بل مراجع و مصادر. فكل قبيلة تتكلم بلسان خيرها و شرها. فأن إجراء نقد للقيم الكبرى من خلال الجينولوجيا قد اسفر في النهاية عن تحلل قيمة الحقيقة ذاتها و تفوقت الحقيقة على الاحقيقة و الخطأ. و ان الانسان يمكنه معرفة الأشياء في ذاتها و من هنا تكون مهمة الجينالوجيا هي قراءة الحقائق بشكلها و علتها الأولى. و يذكر في زاردشت تحت مسمى الف هدف وهدف، "ان البشر هم الذين ابتدعو لانفسهم كل خير و الشر حتى ، لم يتسلموا ذلك من السماء." 
و يكمل، " الانسان هو الذي ابتدع القيم اولا، من اجل البقاء و هو الذي ابتدع معنى للأشياء، معنى انسانيا! يعني انه: المقيم." 
كما ان لسلطة الطبقات الحاكمة من ملوك و سلطة كهنوتية دور جد مؤثر في الترويج للقيم المتمثلة بثقافتهم او بسلطانهم لارغام العباد على السير بنواميسها و اضفاء معاني و دلالات على قيمها التي ستصبح سائدة و تأخذ اسم المسلمات الدينية و الاجتماعية و مع الاجيال اللاحقة ستصبح قانونًا ومن المقدسات. ففي خطبته في زراديشت حول الالواح القديمة و الجديدة يصف حال العباد كيف انهم اجتافو الحقيقة المطروحة في الواحهم المدسوسة اليهم بشكل لا يحتمل الريبة،فيقول، " عندما اتيت الى الناس وجدتهم يجلسون على غرور قديم:
جميعهم يعتقدون انهم يعلمون من زمن طويل ما هو خير للأنسان و ما هو شر. شيء قديم متعب كان يتراءى لهم كل كلام عن الفضيلة. من كان يريد ان ينام نوما جيد، كان يتكلم عن الخير و الشر قبل الذهاب الى النوم". 
فمن خلال طريقة نيتشه في العودة إلى الاصول الفيلولوجية للأحكام القيمية و سيتجلى امامنا علل بروزها فنفصل من خلالها الحب عن القش و نفهم غايات استعمالها
"
كل حقيقة بسيطة" اليست هذه كذبه مزدوجة؟!. هكذا رد نيتشه على شوبنهور عندما قال "البساطة هي ختم الحقيقة" . 
ان نيتشه معاد للحقيقة الحقيقة التي جاء بها الاسلاف و جعلوها ممركزة وبدساتير بينما هو لا يراها الا اوهام ونباتات سامة حان موعد اقتلاعها و هذه المره بشراسة لان الغاية النهائية هي تمهيد الطريق للانسان الاعلى، مستعملاً التفكيك والتحطيم و قراءة الرموز و ما يخفى وراءها لقلقلة اساسات الميتافيزيقيين فيقول في ما وراء الخير والشر: "اذا اردنا ان نفسر كيف اقيمت ابعد المزاعم الميتافيزيقية لفيلسوف ما، فمن الحكمة فعلا ان نتساءل في البداية : ما هي الأخلاق التي يسعى اليها؟ و وفقاً لذلك لا اعتقد ان ولادة الفلسفة هي غريزة للمعرفة. بل ان غريزة اخرى استعملت المعرفة استعمالها للأداة و حسب. فجل ما يريده نيتشه هو ان يحدد وزن كل الاشيا بطريقة جديدة
اما فيما يتعلق بالعقل، فلديه موقف معادٍ له في الجوانب التي يكون فيها العقل اداة لأظهار الحقيقة بشكلها القديم الفطري، بينما يعتبر الحقيقة وهم و عداء للحياة وفي الجانب الاخر لدى نيتشه رأي اخر في العقل الذي يتمرد على قوالبه و فطريته و يتخلى عن احكامه و يتحول الى عقل راقٍ يحكم بالنبالة و البسالة. يقول زرادشت :"إنكم لا تعرفون من العقل سوى شرارته، لكنكم لا ترون أي سندان هو، ولا قسوة مطرقته" .  و يقول، "العقل هو الحياة التي تجترح نفسها في الحياة؛ وفي المعاناة الخاصة تنمو المعرفة الخاصة، هل علمتم بهذا الأمر من قبل؟"
ان نيتشه لا يرفض العقل بشكل حاسم، بل اكثر ما يمقته هو عقلانية القدماء من ديكارت و ليبنز و سبينوزا حيث انهم عقلانييون ميتافيزيقيون.
 اما ما يحبه فهو سلطة العقل الجبار و القاسي، يسلط الضوء على عقلانية اصدار الاحكام و السير بخفة و صبر.
فيذكر نيتشه في ضمن خُطب زرادشت تحولات ثلاثة للعقل، فكيف يتحول العقل إلى جمل و الجمل إلى اسد و الاسد الى طفل في النهاية؟
إذ أن العقل محتم عليه أن يحمل الاثقال التي ترمى عليه و تثقل كاهله من موروثات المجتمع و القيم الاخلاقية و طنين الذباب السام حوله و محاولات اغراقه في الخطيئة و قتل حس الدعابة في نفسه و حرمانه من الشعور بالغبطة والتفوق.. اثقال يحملها الانسان في صحرائه، كذلك هو الجمل يحمل اثقاله في الصحراء
لكن داخل هذه الصحراء و الرمال تبتلع الجمل لكثرة ما حمل، يحاول التخلق بقسوة و جذرية من كل احماله البالية و يريد ان يكون في محيطة الخاص، ان يمزق كل حمل زائد و ان يبحث له عن قيمة جديدة و مهمة جديدة تناسب تحوله العظيم. فينتصر على سيده و سيد سيده الذي سخره ليكون حمّال. يصرخ في وجه تنين ال " ينبغي عليك"، لكن ما ضرورة الاسد بالنسبة للعقل؟ قيمة الاسد هي خلق قيم جديدة  واكتساب حرية و اعلان ال "لا" المقدسة تجاه الواجب أيضاً
لكن لماذا يستحيل الاسد طفلاً؟ لان الطفل هو البداية الجديدة، البراءة والنسيان، الصفحة البيضاء التي يمكن ان يخطط عليها الطريق الجديد. فلابد انه تأثر بفكرة هيرقليطس القائل الدهر طفل يلعب النرد.. فقد ذكر في كتابه الفلسفة في العصر المأساوي الاغريقي، " لعب الطفل و لعب الفنان وحدهما هما الذان يستطيعان ان يتطورا و يضمحلا في هذه الحياة الدنيا، ان يشيدا و يهدما بكل براءة.." 
هكذا نفهم كيف ان العقل الانساني حمل اثقاله طويلا مثل الجمل، و تمرد عليها مثل الاسد، و الان يعيد بناء عقليته من جديد مثل الطفل
فنيتشه لا يعادي العقل بما هو معروف كعقل ولا مهمته الفكرية، لكنه يعيد بناء العقل الذي يراه منمٍ لحس التفوق و الابداع.العقل الذي يعطي من صميمه افكار عظيمة لكائن عظيم
الأخلاق، ساحة نيتشه و مسرحه، بعد أن اخذ على عاتقه تحطيم أوثان الاعتقاد بالعقل القديم والذي ينتج الحقيقة التي يعتبرها نيتشه وهمية و في افضل حالاتها،نسبية لابعد حدود و سيلانية في حقائقها.انقضى على الاخلاق، الحلى التي سيلبسها و يتمثل بها الانسان الحالي تمهيدا لانسان اعلى متأصلة فيه هذه الاخلاق و العادات النبيلة و القوية. فلكي يعيد بناء الشخصية الانسانية الممهدة لهذا الانسان، كان عليه تحطيم كل ما يعيده للاخلاق الحداثية المسيحية و الانسانية المفرطة جدا في انسانيتها
فالأنسان في الحياة اما ان يكون عبدا، ضعيفاً، خانع، مريض، وضيع، حقود او ان يكون سيداً، نبيلاً، قائداً، محارباً، مغامراً، شجاعاً، كريم النفس، مسامحاً. لذلك قسم الاخلاق إلى اخلاق سادة و اخلاق العبيد. و هذه مهمته التي حملها للبشرية و التي هي ان يعيد ترتيب المراتب الانسانية بحسب السلطة و القوة و هذا ما يجعل منه أب الأمبريالية و مفسح المجال للدول العظمى بالسيطرة على الدول الدنيا و تقسيم العالم لطوابير و درجات.
وفقاً لفلسفة الاخلاق ليست فعلا اجتماعياً في ذاته و يتبع المرجعية خاصته في الحكم عليها كما جرت العادة في عالم الميتافيزيقيين، بل في عالم نيتشه اخلاق العبيد هي الاخلاق التي يبتكرها الضعفاء للحد من سلطة الأقوياء و ذلك بأبتداع احكام اخلاقية تشكل العزاء لهم و تعمل عمل المخدر من خلال اتهام الاخر الاكثر سلطة و نفوذ بالشرور. كما ان اخلاق العبيد اذا اختلطت بالدين تأخذ حينها هذه الاخلاق صبغة المحرم و المكروه و الخطئية. ففي حالة الضعيف ينظر كل من الضعفاء للقوي نظرة الخبث و الوضاعة و يقولون في نفوسهم اه كم هو غني او قوي او صاحب سلطة. يا ليتني اكون مثله! لكن لانه لا يقدر الارتقاء سيهدف إلى ان يسحب القوي للأسفل.
 فكما ان ماركس يعتبر ان الاخلاق من صنع البرجوازية لأخضاع العمال، فان نيتشه يراها بشكل معكوس، العبيد يطمحون بأخلاقهم ان يخضعوا البرجوازيين، كذلك برأي نيتشه فعلت الديانة اليهودية، سممت الامبراطورية الرومانية القوية.. و هو اعترف بفوز اخلاق العبيد في ذلك لكن ما النتيجة؟ اليهودية انجبت المسيحية ديانة الشفقة و الرحمة و التضحية.. ديانة مساعدة القوي للضعيف و ديانة المساواة وذلك المصلوب الذي مات مختنق بشفقته على الصليب او بالأحرى "اليهودي" بولس قد سمم شخصية النجار يسوع و نشر مسيحية باخلاق يهودية
اما اخلاق السادة لدى نيتشه، فهي اخلاق القوى، و ان كانت قد فهمت على انها كقوة بدنيا فليست اخلاق القوى و ارادة القوى لدي نيتشه الا عدة اوجه و اشكال. ولا تقتصر بتاتاً على القوى البدنية و العنف. فالنبيل هو الذي يملك الكرامة و السمو و التقدير ان كان قد حصل عليهم بيده او بالوراثة. لكنه في مرتبة مرموقة و يتصرف على اساس هذه المرتبة. فيقول نيتشه: ان الامير المحارب ان ولد في بيئة تعلمه الفروسية سيخرج للعالم كفارس و مقاتل لانه هذا ما تعلمه و هذا ما يبرع به واذا غزى احد ى القرى سيصرخ ابناؤها من المراتب الدنيا متهمين الامير بالاستعمار و الشر، لكن بالنسبه اليه فانها فضيلة وخير الفضائل ما نحاول ان ننميها. و قد ذكر في ما وراء الخير والشر، "إنساناً قدر له ان يأمر و جبل على ذلك ، فالإنكفاء المتواضع لن يكونا بالنسبة اليه فضيلة، بل سيكونا هدراً للفضيلة". أيضاً، "ان ترتعب الحملان الصغيرة من الطيور الجارحة الكبيرة فهذا امر لا يندهش له احد. لكنه لا يشكل سببا للحقد على الطيور الجارحة الكبيرة لترويعها الحملان الصغيرة. لانه اذا سألنا الطيور كانت ستقول انها لا تكره الحملان لا بل تحبها كثيراً، فهنا لا يمكننا لوم الطيور الجارحة لانها جارحة و لا الحملان بأنها حملان، ففي معركة النمر مع الغزال ستقف محايدا و تدع الطبيعة تأخذ مجراها
 
فبحسب اخلاق السادة، السيد سيتصرف بحسب ما يملك من ملك، و العبد بما يملك من ملك.
 فكيف نطلب من المحارب و السلطان و الامير ان ينزعوا عنهم رداء النفوذ و المال و الراحة مقابل التضحيه بهم من اجل المراتب الدنيا؟ و هل كان العبد ليرفض ان يصبح ملكا لو اتيح له ذلك؟
النبيل و السيد هو من يصنع لنفسه بإرادة قوته مرتبة لنفسه و لنكن على وعي ان نيتشه لا يشجع على ان نستغل الاخرين و نركب على ظهورهم لنصل لا! بل يمقت كل متملق بل اكثر من يشجع عليه هو ان تمضي في طريقك بارادتك القوية للوصول الى هدفك. فيقول عن لسان زرادشت، تحت عنوان الانسان الراقي، " اذا اردتم بلوغ الاعالي فلتكن ارجلكم هي التي تحملكم اليها! لا تدعوا انفسكم تُحملون، ولا تمتطوا ظهور و رؤوس غيركم. اما انت تصعد راكبا فرسا؟ و تصعد الان راكضا نحو هدفك؟ ليكن يا صديقي! لكن رجلك المشلولة ترافقك هي ايضا على صهوة الفرس!".و يقول في زراديشت بعنوان المسافر،" ان لم يكن لديك الأن اي سلم، فإنه سيكون عليك ان تعرف كيف تتسلق مشيا على رأسك: وهل لك من طريق أخرى للمضي قدما في صعودك؟ على رأسك و قفزا على قلبك! وما كان اكثر الأشياء ليونة فيك ينبغي ان يغدو الأن اكثر الأشياء صلابة."
بأعتبار ان ارادة القوة لدى نيتشه هي ارادة خلق و عطاء. ارادة ارتقاء بالذات و الوصول لنقاط القوى و المحاربة من اجل اخراج افضل ما يملك الانسان الراقي، ليس الانسان الذي يحقد على الراقي! فالنحات يضرب بكل قوة و قسوة على المرمر ليخرج الى الوجود اجمل قطعة فنية
فأخلاق السيد لدى نيتشه هي اخلاق من يملك المقدرة و يستطيع ان يريد.  أن يتخذ لنفسه طريقة وغايات لينمي قدراته بالاضافة لاحترام غرائزه و فضائله و تغنيجها اذا استطاع. لأن السيد وحده من يملك ان يعطي و عندما يعطي يكون على دراية داخليه بانه يملك الكثير و انه صاحب فضل و عطاء. انه قاسي على نفسه و جلاد في تهذيب نفسه و جسده. فيقول نيتشه، "ان الذي يؤلم الاخرين و يبعدهم عنا بعدا شاسعا هو معاملتنا لهم بشيء من القسوة المتعالية التي نعامل بها انفسنا". 
لكن  اخلاق العبيد تدعو إلى التواضع و نكران الذات و التضميد على الجراح ليس لانها عفيفة بل لأنها ضعيفة. تقول شذرة لنيتشه، " انها لا تعجبني، لماذا ؟  أنني لا اقدر عليها.. هل جاوب احدكم هذا من قبل؟". فانهم لا يعجبهم ما لا يقدرون الوصول اليه  و لو وصلوا له سيكون اغلى ما يملكون. "فالارادة القوية محل اعجاب كل الناس، لان لا احد يملكها، وكل واحد يقول لنفسه بأنه لو يمتلكها فستضمحل كل الحدود من امامه ومن امام انانيته". (انساني مفرط في انسانيته. ج1.)
أخلاق العبيد انهزامية، انهم ذباب سام، يقتلون كل من حولهم بشؤمهم يقطعون الطريق على كل سعادة و حب للحياة، لا يريدون ان يكونوا الوحيدين الذين يتألمون. فيقول نيتشه " علينا ان نخجل من كوننا سعداء وسط هذا الكم الهائل من التعاسات." واي خطأ افدح و اشد خطورة من الذي يرتكبه السعداء و الموفقون و الأقوياء روحا و بدنا حين يشكون في حقهم في السعادة. " فأنهم يريدون من السعداء من الناجحين من اصحاب السلطة ان يكونو متألمين و تعساء تمثلاً بهم، لكي لا يشعرو بانهم الوحيدين المرضى في الروح. فالدودة المداسة تنطوي على ذاتها لتحمي نفسها من ان تداس مرة اخرى. بلغة اخلاق العبيد هذا تواضع
بشكل مقتضب جدا، نخرج بفكرة ان الاخلاق في عالم نيتشه هي اخلاق سادة و عبيد. و نيتشه يسعي بكل جوارحه لترقية الأنسان و الاعلاء من شأنه. و تطوير كل فضيلة لديه. يقول على لسان زرادشت: "الحق اقول لكم، إن هذه ليست وصية لليوم و غدا، ان يتعلم المرء كيف يحب نفسه. بل هي الفنون الأكثر رهافة و مكرا من بين الفنون جميعها، و آخر الفنون و اكثرها أناةً." 

يدفع نيتشه الانسان نحو الفكر الحر و القسوة على نفسه لينتج الأفضل، بعيدا عن الخنوع و الرضى بالواقع و الحتمية و الموت اختناقا بمشاعر العطف و الرحمة و الخجل التي تبعدك عن الحصول على ما تريد و تمنعك من ان تكون جسرا للانسان الأعلى فالممهدين لعالم الانسان الاعلى هم المفكرون الاحرار الذين ليس عليهم ان يقاتلوا في معاركهم ليفوزوا بل فقط عليهم الركوب و الظهور بهيئة الفائز. عليهم ان يكونو صارمين مع أنفسهم متسلقي جبال و ضاحكين. عليهم ان يخوضوا التجارب الحية و يستنشقوا هواء الأعالي يقول نيتشه: "من لا يريد ان يموت عطشا بين البشر عليه ان يتعلم الشرب من كل الأقداح؛ و من يريد ان يظل نقيا بين البشر عليه ان يعرف كيف يغتسل بالمياة القذرة ايضا." يقول في المعرفة المرحة: "نحن المبهمون، اننا عرضة للخلط و الحقيقة اننا نحن الذين ننمو و ما ننفك نتغير، نخلع عنا قشرة قديمة، نغير جلدتنا مع كل ربيع، نغدو اكثر فأكثر شباباً، مستقبليين اكثر، ارقى واكثر قوة، نرمي بعروقنا في الاعماق باكثر قوة - في الشر-، بينما نعانق السماء بأكثر تحنان اكثر رحابة، بكل اغصاننا و اوراقنا نمتص ضوءها بتعطش متزايد".
بينما اعداء الرفعة في الحياة و احباب نزعة الانحطاط يحاولون عرقلة مسيرة الخيول القوية بألسنتهم و دموعهم و انفاسهم الكريهة. فتعاسة الأقوياء لا تأتي ممن هم اقوى منهم بل ممن هم اضعف منهم. و يقول بصدد فضائل الصغار عن لسان زرادشت: "فان اصحاب اخلاق الانحطاط الفضيلة لديهم هي ما يجعل المرء متواضعاً و مدجنا. بواسطتها يجعلون من الذئب كلبا و من الأنسان افضل الحيوانات الأهلية لدى الأنسان. يحاولون من خلال ذلك تقليم اظافر الأسد و تحويله من ملك الغابة للعبة في سيرك وكيف لا يكون نيتشه عدو الديمقراطية و المساواة و هو يعلق بدوره علي الديماقراطية بقول: كيف ستنشئ دولة و انت تأخذ براي الجهلة و المنحطين من الناس. و رايه بالمساواة غني عن التعريف، فهل يستوي السادة و العبيد؟ او الضعيف والقوي؟ المراة و الرجل؟ فالمساواة لدى نيتشه بدعة الضعيف ليتساوى مع القوي وهي اعتراف ضمني بانه أقل شأنا من الاخر لذلك يريد ان يكون بمستواه و يريدنا ان نعترف له بذلك دون ان يثبت جدارته!

 كانت هذه اهم ثلاث نقاط تمركز حولها مشروع نيتشه لتجاوز الحقيقة و العقل و الاخلاق التقليدية اخلاق المساواة والرحمة المسيحية.من خلال هذه النقاط المختصرة فتح نيتشه الحرب على القديم و افسح المجال للأستعمارات العالمية و الأمبريالية و بسط سلطة الارستقراطية. من خلال شعور كل دولة بقوتها و نفوذها و قدرتها على احتلال غيرها من الدول بالقوى العسكرية و العقلية. و قد رأينا تأثير الافكار على مجرى الحربين العالميتين . و انا لا اقول ان نيتشه قد عمد ان يصنع حرب عالمية ولا كان هو السبب بظهور النازية او الفاشتية بل فلسفته اخرجت البطل من داخل قلب الدول الاستعمارية و الانظمة الشمولية . فنقول  "بقدر ما للشخص من قوة يكون له من الحقوق"،كما نُقل عن سبينوزا. و بلغة نيتشه، على قدر القوة تكون المصداقية.
اما فيما يتعلق بربط نيتشه بالعنصرية و بالايديولوجيات الغربية التي جاءت بعد موته بعقدين من الزمن، كالنازية و الفاشية فانني ساحاول ان اعرض وجهات نظر كل منهما و تبيان مدى التقابل او التنافر.
ففي البداية يقال انه في احد الايام أهدى هتلر موسليني مجموعة كتب نيتشه، بعيدا عن الاقوال الشائعة، برأيي موسليني لا يحتاج نيتشه ليتبنى فلسفته، وهو الذي قدم رسالة دكتوراه عن كتاب " الأمير"، لميكافيلي و كتب تصدير للكتاب في الترجمة العربية. و يعرف أيضاً مشروعه الثوري في التاريخ. و هذا موجز الكلام.
اما الاعتقاد لدى البعض ان هتلر هو انسان نيتشه الأعلى وهو من تنبأ نيتشه بقدومه لانتشال المانيا واعادة القوى للوحش الاشقر هي ادعاءات لم نجد لها ما يثبتها في ظل مقارنة افكار كل منهما، فكان الادعاء مبنيًا على اساس عداوة الاثنان مع اليهود و الاشتراكية و الباس نيتشه لباس العنصرية قسراً، لكن الافضل برايي هو ان ننظر لوضع اليهود في أوروبا أولاً في زمن نيتشه و كيف كان اليهود يتعرضون للنبذ و كيف كان ينظر اليهم بحقد من قبل الالمان مثلاً. وظل الحال على ما هو عليه إلى يوم هتلر، فالامر غير متعلق بنيتشه حصراً من الاساس.
يقال أن الجنود في الحرب العالمية الثانية كانوا يتعبأون بقراءة نيتشه وأن كتبه كانت من كتب الجيب.
ويقال أيضا: ان كتاب ارادة القوة هو دستور النازية، و ان هتلر من المعجبين بنيتشه وذلك بحجّة وجود صور لهتلر في منزله
تلقى نيتشه ضربات قاسية في آخر حياته من أقرب الناس اليه، وهي أخته اليزابيث فورستير، -المعادية للسامية-  وذلك بزواجها من برندهار فورستير – المعادي للسامية بدوره أيضًا- بالرغم من اعتراض نيتشه على هذا الزواج، وقد رحلت مع زوجها الى البرغواي لانجاب نسل الماني جديد هناك. وبعد انتحار زوجها بسبب فشله، عادت  اليزابيث لتكون الى جانب اخيها المريض بعد دخوله المصحّة. وكان نيتشه يراسل اخته في فترة غيابها يخبرها عن الدعوات التي تصله من حزب اشتراكي عنصري تافه وفي احدى الرسائل كان يقول : "إنني ارتجف عندما أفكّر بكل هؤلاء، أعني الاشخاص غير الجاهزين بعد لتلقي أفكاري، ومع ذلك سوف يستغلونها كسلطة".
ويكمن خبثها في استغلال مرضه، حيث راحت تدعو الناس وتقطع التذاكر للزوار ليشاهدوه في المصحّة، حين كان مشلولا وذهانيّا، وبعد موته نصبت نفسها الوريثة لارشيفه ومنعت صديقه بيتر غاست من الحصول على المخطوطات، ووضعتها تحت إمرة الاشتراكيين الديمقراطيين ليأخذوا منها ما ينفعهم ويدعمهم.
وقد حرّفت هي ومارتن هيدغر كتاب "ارادة القوّة"، ولاحقا بعد بروز هتلر، كانت من اوائل المتحمسين لرؤيته، وكانت قد أصبحت عجوزًا، فسلمته عصا نيتشه وقالت له : "أنت الانسان الاعلى الذي قال به أخي".

ولتبيان حقيقة الموضوع علينا طرح بعض النقاط المرتبطة بنيتشه وهتلر ولنحكم بأنفسنا هل كان هتلر تلميذ لنيتشه ام لا؟ 
فيما يخص الوطنية:
في" كفاحي"، كتاب هتلر المشهور، في الجزء حول فترة  تعلمه في المدرسة يقول: اشعر بأني مدين لوالدي بأن اصبحت وطنياً متطرفاً فقد رسخت في ذهني ملاحظات استاذ التاريخ الدكتور ليوبولد بوتش ان النمسا جزء لا يتجزأ من المانيا وان زوالها كدولة مستقلة امر ضروري للأمه الألمانية". 
و يقول: النمسا يجيب ان ترجع الى حضن وطننا المانيا"  و " المانيا لن تستطيع الانخراط في اي عمل استعماري اذا لم يكن ابناؤها متحدين
كما ان كتاب كفاحي دستور النازية يضج بالوطنية والوفاء لارض الوطن المانيا، كما انه من وجهة نظره هو يعمل معروف للأمة الألمانية. و كان هتلر في صغره يدرس تاريخ الحروب بين الدول و يحلم برقي الدولة و ان تنجب الامة مواطنين صالحين، فكل ما عمل هتلر لاجله هو للامة الالمانية.

اما نيتشه فقد انكر اصوله الالمانية، و قال في" هذا هو الانسان، انه بولندي و هو فخور في ذلك، و ان من سيئات امه انها المانية، و في رسالة له سنة 1887 يقول: " أحسّ بقرابة النسب مع النبلاء الفرنسيين والروس، ولا أحسّ بقرابة النسب أبدا مع الذين يسمّون أنفسهم النخبة المميّزة من أبناء بلدي، الذين يحاكمون كلّ شيء من مبدأ: ألمانيا فوق الجميع"، حيثما تتوسّع ألمانيا بنفوذها وتأثيرها، فإنها تدمّر الثقافة"، ويقول أيضا: "آخر أربعة قرون، كل جريمة كبرى بحقّ الثقافة، تقع مسؤوليتها على الضمير الألماني"، وأخيرا: "في ألمانيا، الكتابات الرديئة يُنظر إليها كرمز وطني". 

فيما يخص قضية اليهود و معاداة السامية :
اعتبر هتلر في" كفاحي " ان اليهود و الماركسية هم اخطار على الأمة بقوله: " لقد لمست الاخطار التي كانت تتامر على الامة الالمانية في النمسا،هما خطران كبيران.. الماركسية و اليهودية." 
باعتبار انه اولا درس الاشتراكية درسا معمقا و حضر اجتماعاتهم في عمر السادسة عشر ظناً منه انهم مع العمال وبخدمة الطبقات الفقيرة والوطن لكن تبين له انهم العكس تماما وانهم يهدفون إلى تخريب المانيا و العقل الالماني، و كلما توغل في البحث توصل إلى انهم في الاصل يهود و هذا ما يفسر انهم خبثاء. ( باعتبار ان ماركس يهودي و عدد من المنظرين كانو يهود). و اشاد بموقف بسمارك باعتباره قد قتل ضحايا الماركسية لكنه كان عليه ان يقتل الأفعى الماركسية من اساسها ولم يفعل.  وان المانيا كانت تسقط بسبب اخذ القادة برأي الماركسيين اليهود العملاء ضد الوطن. معتبرا ان اليهودية اخطبوط وضع يده على كل وسائل الدولة و انه كالطاعون الأسود بل اشد منه. و ان قذارة اليهود جسدية كانت او فكرية كانت تصدم النظر منذ ان تقع العين عليها. و ان لا جريمة تحدث الا و اليهود لهم يد فيها. ولا استثمار الا ولليهودية يد فيه حتى البغاء و ان اليهودي لا يمكنه ان يكون المانيا اساساً... والقائمة تطول بعدد صفحات "كفاحي". 

اما نيتشه، فقد كانت علاقته باليهود علاقة مقسومة لطرفين، الطرف الاول: نعم نيتشه لديه مشكلة حتما مع الديانة اليهودية كديانة منحطة ضعيفة.. ديانة عبيد. و هذا يظهر في مواقف عدة له خلال الحديث عنهم. لكنه في "اصل الاخلاق و فصلها". يعترف بانهم و ان كانوا عبيد لكنهم هزموا الإمبراطورية الرومانية.
و الطرف الثاني: و هو سياسي، وهنا مربط الفرس. نيتشه و بصريح العبارة يمدح باليهود في المانيا في "ما وراء الخير و الشر" في فصل اقوام واوطان-في روح الشعب اليهودي و قلبه. و يقول، " بما تدين اوروبا لليهود؟ بالكثير، بالجيد و الرديء.. تضيء اليوم سماء حضارتنا الاوروبية، سماؤها المسائية، إضاءة شفقية تنوس و ربما تنطفئ. لذا لا يسعنا، نحن المتفنّنين من بين المشاهدين و الفلاسفة، الا ان نكنّ لليهود امتناناً
و ايضا في شذرة، في مسألة اليهود من ذات الفصل، يقول: "... فعند الالمان اليوم على سبيل المثال غباء معاداة الفرنسين او اليهود او البولنديين... اسمعو هذا! لم التقِ بعد بالماني واحد يعطف على اليهود.. اياكم ان توهموا بهذا الصدد! ثمة فطرة عامة تفيد و تقول بوضوح زن لالمانيا ما يكفي من اليهود و يزيد! وانه يصعب  على الدم الالماني و المعدة الالمانية ان تمتص مجرد هذا الكم من اليهود كما امتصه الايطالي و الفرنسي و الانكليزي بفضل هضم اقوى وهي فطرة يجب الإصغاء اليها و العمل بموجبها. " لا تسمحو بدخول يهود جدد و بخاصة، اقفلو البوابات من الشرق و النمسا أيضاً,هكذا تأمر فطرة شعب جنسه ما زال ضعيفاً ولا متعيناً بحيث يمكن ان يذوب او يمحى بسهولة على يد عرق اقوى. اما اليهود فهم بلا ادنى ريب اقوى و اصلب و انقى عرق يعيش حالياً في اوروبا" .و يقول أيضاً في ذات الفقرة،" لو اراد اليهود ان يسودو اوروبا لفعلو و ذلك لو ارادو. لكنهم يبحثون عن الاستقرار و يكونو شرعيين و محترمين. فعلى المرء ان يشجع. ومن أجل ذلك قد يكون من المفيد ان يتم طرد معادين السامية إلى خارج البلاد".
كما انه عام 1886 اختلف نيتشه مع ناشره "إرنست شميتسنر" بعد أن استاء من سوء تسويق كتبه. فقد رأى نيتشه أن كتبه "مهملة ومدفونة في هذا المستودع المعادي للسامية" واصفا شميتسنر وحركة معاداة السامية بأنه يجب "على كل عقل راشد أن يرفضها كلية وبكل ازدراء.
ان اقرب أصدقاء نيتشه هم يهود: بول ريه، بيتر غاست، لو سالومي، هاينرش هاينه. جورج براندز المعروف باسم (كوهين)، والذي كان له الفضل بألقاء محاضرات في فلسفة نيتشه في جامعة كوبنهاغن. فقبل محاضراته كان نيتشه مجهولاً. ويقول نيتشه:" كنت دائما أجد اليهود مثيرين للاهتمام أكثر من الألمان" ، ويضيف: "اليهود مع هاينرش هاينه وجاك أوفنباخ، بلغوا قمّة العبقرية في فضاء الفنّ". 

فيما يتعلق باشكال الحكم السياسي:
هتلر كان من المعجبين جداً بشخصية بسمارك. و كيف كان له الفضل في لم شمل الوطن الالماني و اتحادها بالحديد و النار . و كما سبق و ذكرت انه مدح فيه محاربته للماركسية و اليهودية بقسوة. بالرغم من ان بسمارك شن حرب على النمسا التي ينادي هتلر بضمها لالمانية
اما نيتشه فكان له موقف مؤيد في شبابه لسياسة بيسمارك، بل انه شارك في الحرب البروسية الفرنسية قبل ان يقع عن فرسه. و عمل ممرضاً للجنود في الحرب، لكن عندما اختفت الغمامة عن عيونه قال ان بيسمارك رجل مثير للضحك. و افرد شذرة لبيسمارك في ما وراء الخير و الشر يقول فيها: "... ساعاتٍ من الفورات القومية و الهواجس الوطنية إلى ما هنالك من  فيضانات عاطفية بالية... لنفترض ان رجل دولة يحكم على شعبه بالتسيس عموماً، في حين ان هذا الشعب كان يقضل الى ذاك الحين ان يفكر و ينشغل بأمور افضل و لم يكن في اعماقه، قد تغلب على امتعاضه و حذره من التحريض و الفراغ و المشاحنات الصاخبة التي درجت لأمم مسيّسة فعلاً...ماذا رجل دولة يفعل كل ذلك، فيجبر  شعبه على ان يكفر عن ذنوبه إلى ابد الابدين، وان ظل له مستقبل، رجل دولة كهذا هو كبير؟؟ 

العقيدة الدينية:
يظهر هتلر في كفاحي بالشخص المؤمن بدينه و الهه، بل انه مفوض امره و امر الامة إلى الرب. فيقول بشأن انتقاده للماركسية:  "ان الابدية ستنتقم من الذين يخالفون احكامها، ولذلك سأنصرف حسب مشيئة الخالق، لاني بدفاعي عن نفسي ضد اليهود، انما اناضل للدفاع عن مشيئة الخالق و عمله
بينما نيتشه موقفة معروف و واضح تجاه الله الذي مات و ان الانسان مشىيئته بقوته ورفع مستواه. و ان السماء لا تملك الا النجوم لكن الوفاء للأرض و للانسان الأعلى

و في خلاصة هذه الافكار المعروضة بين نينشه و هتلر اترك الحكم والقوس مفتوحاً على النقاط الأساسية في طريق كل منهما. فهل يمكن للنازية بزعامة هتلر ان تأخذ نيتشه دليل لها؟ 
مؤاخذات:
اننا نحن من قرأنا نيتشه لفترة طويلة و تغلغلت افكاره في خلايا دماغنا، نحن من يحق لنا في النهاية ان نقف بو جهه عندما يخطئ. و من غير سلوتردايك يخبرنا بحال المعجب عندما يقف بمواجهة من يعجب به. من خلال كتابه " الانجيل الخامس لنيتشه"،اذ يقول سلوتردايك: "ان الانارة المكثفة التي يلقيها نيتشه على نفسه من خلال فخرياته الاستعراضية لهي من المبالغة بقدر يجعل حتى اكثر القراء تحررا و اطيبهم نيه و حتى الموالين بعماء يحولون نظرهم عن ذلك الموقع. كما لو انهم يودون لو لم يرو ولم يصدقو ما كانت ترسمه الحروف على الورق امام اعينهم. انه ليس بامكان الشخص ان يحدق في الشمس ولا في المديح الذاتي للمجانين، دون ان يحول عينيه. لذلك نضطر ان نضع النظارات الواقية لدى قرأتنا لهذه الأنفلاتات المدائحية التي لا تحتمل. نعتم قليلا ما لا تستطيع العين ان تنظر اليها دون ان تضطر لتحويل نظرها؛ نفعل ذلك حياء او رأفة بذلك المنفلت من عقله.. كي لا نؤاخذ المتهيج المتهور ولا نستعمل مشهد عريه المستعرض ضده. اليس من باب اللياقة المتعارفة لدى محبي نيتشه بالنهاية ان نتجنب ذكر مثل هذه الأشياء؟ لكننا سنضع اليوم اعراف المحبين جانباً.."
على القارئ العربي خصوصاً ان يكون على دراية بأيام نيتشه الجميلة و العصيبة، و على علم بساعات غبطته الكبرى و ساعات عزلته العظمى، لانه من الواضح عليك ان تعرف حالة نيتشه الذهنية و النفسية التي شكلت جزءا ضروريا حضورة اذا تحدثنا عن موسمية فلسفة نيتشه. انا لا اقول ان فلسفة نيتشه هي فلسفة مريضة على طريقة كارل ياسبيرز، بل هي فترات قد مر بها اثرت على جزء بسيط من فلسفته
و بشيء من تحليلي النفسي الخاص اتواقح و اقول: ان نيتشه مشكلته النفسية تبدأ منذ وفاة والده اذ انه لم يتمكن من التماهي مع شخصية والده، وتربى على يد اخته و امه و نساء اخريات، فكان جو انثوي شكل له الشعور بالضيق. بالمقابل كان يجب ان تتشكل لديه حاجة الامن من الوالد كاللاطفال الاخرين. و يظهر ذلك من خلال اتخاذه فاغنر بمرتبة والده و كيف أن خسارة فاغنر كانت موثرة كثيرا على فلسفته. و ادعي ان فلسفة نيتشه تحت خدمة نفسيته و مزاجه لا تحت خدمة الفكر فهي تظهر جلية لا مركزية ولا منطقية. و هذا حال مشكلته النفسية
و مع اصابته بالسفلس و اضطراب حواسه و تمكن المرض منه و خسارة موضوع التمثل و أعني الوالد. بدأ الشعور بالنقص و تشكل عقدة النقص بشكل لاواعي ترجمها بطلب القوى على المستوى الواعي. نقص الصحة، نقص الامن، نقص الحب بعد رفض سيدة له و حبه المستحيل مع كوزيما فاغنر. تطور هذا الشعور مع خلطة من داروين و صراع البقاء
اما وضعه الذهني، ان وضع دماغة في مهب رياح نوبات الصرع القوية الناتجة عن اسباب عضوية كان الزهري واحدا منها. و لاحقا إصابته بهلوسات بسبب ضرب فصوص الدماغ الصدغية و الفص الصدغي. هذه في الحالات العادية هي عاصفة عصبية صرعية لكنها اذا دخلت معها هلوسات تتحول لذهان.. وهنا مشكلة نيتشه الذهانية. اذ انه يظن نفسه أعلى من غيره و انه الأله و تضخمت اناه الممزوجة بهلوسة إلى انه انقسمت شخصيته لشخصيات و راح يوقع بأسمائهم.( ديونيسوس، المسيح، المصلوب، نابليون،القيصر، بوذا..) كلها شخصيات عظيمة في التاريخ و هو أراد العظمة بشكل مرضي إلى ان انهار عقليا تماماً. و اصيب بالشلل النصفي الجانبي. كل هذه العوارض كان منشأها الدماغ الذي ارهقه المرض

هذا من الجهة التركيبة النفسية. اما من جهة التركيبة الفكرية، فنيتشه تحسب ضده شذرة واحدة من كل مؤلفاته المنشورة. تدل على اندفاعة نحو تطهير العرق في كتابه " الفجر" شذرة رقم 272: ".. الإعراق المختلطة تنتج دائما اخلاقيات مختلطة.. وغالبا تكون تلك الأخلاقيات اكثر خبثاً و قسوة و قلقا" . "... الاعراق التي تم تطهيرها تغدو أقوى و أجمل.". ".. نأمل ان يتم الوصول يوماً إلى خلق عرق و ثقافة اوروببين نقيين بشكل موفق". 
نيتشه يدعي انه لا يريد ان يتبعه احد و يدعي انه يفضل ان يكون مهرج.. لكن كتبه تنادي بانه استاذ و انه يخاطب مريدين. في انساني مفرط في انسانيته الجزء الاول افرد شذرات  في مدح المفكرين الاحرار و هو يظن انه يخرج البشرية من سراديبها.. بصفته مخرج اكيد ليس بصفته واعظ. في نهاية المطاف نيتشه يكون له اتباع
في الختام الفت نظر القارئ العربي المتحمس للفلسفات الغربية و يعيرها كل اهتمامه محاولاً زرع بذورها غصباً في التربة العربية . ان البذور لتأتي ثمارها عليها أن تكون في تربة صالحة و مناخ مناسب. والا لن تنمو لها ثمار، بل لن تجني منها شيء سوا تعب الفلاحة. هكذا يجب أن يكون برايي نمط التفكير تجاه الفلسفات الغربية المانية كانت ام انكليزية او فرنسية. فتلك الشعوب أصابها القرف من فرط الحضارة و التطور و اصابتها التخمة من حداثتها فاتجهت مباشرة إلى ما بعد حداثتها و الان يصدح صوت المنادين بما بعد بعد الحداثة الغربية.اما هنا في عالمنا العربي لم نخرج بعد من قمقمنا و مستنقعات تخلفنا عمّن هم في عمرنا من الدول. فلم نجد بعد مفتاح باب حداثتنا لنفتتح مشروع حداثتنا.. فكيف سنتناول مشاريع ما بعد حداثة الغرب و ناتي بها إلى هنا و نتذرع و نحتج بها. اين سنستعمل مطرقة نيتشه في عالمنا العربي. ان الفلاسفة الغربيين كان يملكون حذرا تجاه اخراج فلسفتهم من سياقها الغربي. فهذه الفلسفات و المشاريع محصورة بفترة زمنية غربية. لم يحاولو ابدا اخراجها للعالم و وضعها قيد التنفيذ. لكننا نملك من الوقاحة بأن نحمل مشاعلهم و نركض فيها في الشوارع و نتغنى بها و نطلق عبارات رنانة من فلسفاتهم الغربية لنظهر اننا مستغربين ( عكس مستشرقين).
ففي الآونة الأخيرة، برز نجم نيتشه على الساحة العربية وسط فئات الشباب. و من الظاهر انه كان يشكل لهم مأوى دافئ و يطبطب عليهم و كان يغذي فيهم نية السلطة او بلوغ السمو بشكل مرضى . من خلال طلب القوى لانه ناقص! يقول نيتشه: " انتم لم تبحثوا بعد عن انفسكم :هكذا وجدتموني". 
فعالمنا العربي عالم يعاني من النكوص و النقص بشكل كبير، فكيف برجل كنيتشه يصرخ بهم و يوقظهم على ان يتضخموا نفسيا و تصيبهم العظمة. اه هذه العظمة الفارغة من كل مقومات الرقي و الرفعة فبات نيتشه رمز الضعفاء لا الأقوياء. و يستخدمه العبيد لكي يسودوا لا الاسياد
عبارة موت الله صارت لعق على السنة الشباب الجاهل بابعادها و لو عرفو انها لا تمس الههم حتى وليست مدعاة للضحك و المرح و الالحاد السوقي. ماذا لو علم العربي انها تعني موت اله الغرب، موت الاله و موت القيم و موت المركزية الاوروبية
هنا تصبح فلسفة نيتشهtrend, و كتبه للتسلية و زرادشت رواية و الشذرات شعارات.. و نيتشه صنم و أله. و قد قال نيتشه سابقاً :"احذرو ان يقتلكم صنم ما". و ها هو تحول لصنم لدى البعض و ي
رجعون اليه في قراراتهم و احكامهم، وصل بهم الحال الى ان يحكموا على قضايا عصرنا الحاضر بفلسفة القرن الماضي المصنوعة لمشروع معين , لا يمكن تطبيقه هنا.فأنهم و للأسف يستعملون مطرقة الغرب لإصلاح الشرق.. عبثاً يحاولون عبثاً.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا لستُ ملحداً ولا مؤمناً؟

المقدمة لماذا لستُ ملحداً؟ سؤال يتطرق إلى دماغي اللطيف من وقت لأخر. لماذا وانا احمل المقومات لأكون ملحداً ومن أسئلة وحجج و براهين فلسفية. لماذا أن متدين؟ لأني لم أجد الألحاد مغري من حيث المقام و النوع. وأن الأيمان يوصل إلى الإجابة عن الأسئلة. والإيمان  يملك الحجج على الحجج و البراهين الفلسفية المناسبة. في هذا المقال او الكُتيب الصغير أحاول ان أفكر بصوت عالٍ معكم و أن أحاول بأفكار مشوشه متواضعة أن افصل القش عن الحّب, في مواضيع و مواضع مختلفة من الموضوع قيد البحث. لا أدعاء منِ للمعرفة ولا العلم المطلق بأي موضوع من هذه المواضيع. انني فقط احاول نفخ الغبار عن قضايا ومفاهيم قد غطاها الزمن بحروبه و سياسياته. وسأحاول أن اظهر وجه نظر الملحد تجاه الأيمان بـ « الدين» و المتدينين, و وجهة نظر المتدين تجاه « الألحاد» و الملحدين. ولكي نعرف من هو الملحد و المتدين علينا ان نعرف من الملحد و من المتدين اولاً, وما هو الدين, وماذا لو  كنت متدين او ماذا لو كنت ملحداً. فلتسأل نفسك. ماذا لو كنت الخصم؟ اكتب هذا ايماناً مني بأن مثل هذا الموضوع كفيل ان يفتح الأبواب لأمور حياتية نعيشها جميعاً و...
في آخر جلسة لي لدى المعالج فاجأني بسؤال سبقه صمت مخيف و نفس عميق و إشعال لغليونه و قال.. كيف ستكون النهاية يا عزيزي..نهاية آلامك..و تنفس الصعداء.  النهاية! حتما ستكون سعيدة. هل تظن أن أحدا سيعرف الفرق؟! لا تخدع نفسك لن يشعر بغيابك حقا احد. ولن تؤثر بأحد. موتك سيكون كموت قطرة ماء إرتطمت بالارض أحدثت ضجة و اندثرت ولن يسأل احد، " أين ذهبت تلك القطرة". فالنستيقظ من سباتنا الدوغمائي و ننظر لما مر من حياتنا البشرية.  ان البشر كائنات سافلة متطاولة. ففي عصر الالهة كانوا يمقتونها و يتطاولون عليها و في عصر الملوك اشعلوا ثورات عليهم و في عصر التطور و الثورة الصناعية أصبحوا يتطاولون على الطبيعة. يا لسخافتنا المستدلة و المشدودة خلفنا. هل تعلم..عندما اموت لن يشعر احد بموتي لست شخص ذو قيمة. لا ! لست ذو قيمة. سأنتظر ذلك اليوم الذي ساموت فيه. سأكون مستعدا ولربما اشتري بدلة جديدة من الكتان و ربطة عنق من الساتان. و اشتري حذاء ذو كعب بني اللون. سأمشط شعري بشكل جميل و ربما أضع موسيقى هادئة و أطفئ الاضواء و الضوء فوق راسي. سأغلق الابواب و النوافذ و اكتب اسطري الاخيرة. قررت ان اشتري بوكيه ورد ا...