التخطي إلى المحتوى الرئيسي
في سيكولوجيا التبعية.

ان تكون تابعاً فهذا شيء مألوف لدينا نحن البشر، وهو شيء اصبح من مكملات الحياة، لا اشك بأن الأمر مجبول بالفطرة, كغريزة قطعنة.  ولد الأنسان و هو بحاجة لأخيه الأنسان ليعيش معه و يلبي حاجاته الغذائية و الحماية ضد الأخطار الطبيعية. ولأنه يستأنث بأخيه الأنسان ظل ملتصق به و معه شكلوا تجمعات و اصبحوا قبائل.. و بعدما اصبحوا قبائل مؤلفة من عائلات، عائلات مؤلفة من أفراد.. اذاً من سيدير أمر القبائل ينظم لها حياتها، يحكم بينها بالعدل..يحتاجون لشخص أعلى يحكم بينهم و يزيل عنهم عبء اتخاذ القرارات. فمن يكون؟ هنا يبرز من هو الاكثر فطنه بحاجات القبائل، هو الشخص الذي كان يراقب عن كثب، ماذا يدور في الأرجاء، يدرس حاجاتهم المعيشية، فإن كانوا يحتاجون طعام، علمهم الصيد والزراعة. ان كانوا يحتاجون الحماية علمهم الرماية. ان كانو يتسائلون عن الوجود اخترع لهم أله بما تهوى انفسهم..وغيرها. اليس هذا الشخص اذكاهم و بالنسبه لهم انه الأعظم صاحب الأجابات، فهل هو بنبي؟ هل أله الحكمة ارسله ام أله الغذاء او لا اظن أله الموت... فيلقبوه بالزعيم. زعيم القبائل. هو ذاته الذي انطبع بعقلهم الباطني بأنه لديه إتصال بالإله التي هو اساساً مخترعها.. مستندنا على حجج من واقع حياتهم. " انظروا كيف كان حالكم قبل مجيئي، كنتم جياع و خائفين، فالإله ارسلني لكم لأطعامكم وحمايتكم.. فينسون الإله و يعبدونه هو..نعم انهم يحتاجون له، و بمجرد انه كبر في السن واصبح عاجزاً بحثوا عن نبي اخر .المهم انه يروي العطش و مقنع و يريحنا.
هذا الكلام كان منذ قرون خلت، لكن أما أن التاريخ لم يمشي او اننا نقف على جانب الطريق وندعه يمضي لوحده. فمازال ذلك النبي موجود لكنه يلبس لباس الوعاظ و الأولياء الأن. يجدونك ضعيف فيدرسون حاجاتك يلعبون على مشاعرك. فان كنت قويا يضغطون عليك لتصبح ضعيف بعدها يشكلوك في قوالبهم، و يعبئوك لتصبح جروهم المنزلي..يعلمون بأنك لوحدك لا تستطيع ان ترفع صوتك و بالجماعة أناك يتضخم و الأدرينالين يعلو لديك، تعود لبدائيتك. وحدها في المجموعة يسمح لك بأن تخرج البدائي داخلك و تلغي الحدود التي علبتك و تنصهر في المجموعة. 
لا يردون منك الا الطاعة. ويعلمون بأنك جائع و محتاج، انك فارغ و مكبوت. ككلب بافلوف يزرعون داخلك الأستجابه و يملكون المنبه. متى ما شعروا بأنهم يحتاجون لأخافة غيرهم، اشعلو لك الموسيقى الحماسية، والأفلام الحربية و الخطب التحريضية، ( هذا مرتد و هذا كافر، هذا مستكبر و تلك فاسقة..) وانت بما يُزرع داخلك من افكار تُشكل ارض خصبه للزراعة. 
اذا بحثت حول زعمائك ستجد لديهم غرفة عمليات مؤلفه من مخرجين و فنيين و علماء و ادباء و محللين، مهمتهم هي انت. استقطابك، اعادة تأهيلك، تعليبك، تغليفك و ارسالك للخارج لتتدرب على الطاعة. و كل هذا يعود للإله الذي ارسل هذا الزعيم لينجدك من الظلم في هذا الزمان. 
ستجدهم يدخلون اليك من اوسع ابوابك. فانت بحاجة لصحبه فكيف اذا كانت صحبتك تشاركك معتقدك، و تشاركك ذات العدو الذي تعاديه انت ايضاً. 
انا اعلم انك لا تريد ان تتخلى عن زعيمك. فكيف تفعل وهو الذي طبع في مخيلتك بأنه الطوطم الذي يحمي القبيلة و ان بتركه او قتله سيعود هذا على القبيلة بالفقر والجوع و العيش مع عقدة الذنب. وانك لا تريد تركه فهو يحمل على عاتقه مشاكلك و يقرر عنك ما يراه انك تريده. 
زعيمك يبدو منطقي وصادق، طبعاً سيبدوا كذلك وان لم يبدو ستقنع نفسك بأنه يبدو كذلك. و تعزي نفسك بأنه الأعلم. فهو يبدو الأعلم، فهو يلقي اليك بما تهوى نفسك. وهذا يزيدك راحة وأمان. 
كسجين يُعذب يومياً و يجوع و يكاد يموت برداً، سيبيع نفسه و عرضه لدى أول كسرة خبز و بطانية. فكيف اذا كانت الجائزة هي الجنه. كمتدين وسط لا منتمين هو لا يشعر بأنه غريب بينهم لكن متى يشعر عندما يأتي من يقول له بأنهم غرباء و ان دينه ينص على محاربتهم، وله الجنه. هنا لعبة الشاطر يا ابتاه.
انها لعبة شطرنج و انت الأحجار و وطنك هي الأرض. واعدائك هم اصديقائك و اهلك و اخوانك في الأنسانية. لا يغرك اللطف في المعاملة فأنت انسان يحب اللطيف منذ طفولتك. ولا يغرك الكبت الذي انت فيه فأنهم يريدونك ان تتسامى فيه في القتال والحروب والفحولة الجنسية.
كل السر في الموضوع بأنه يعرف مفتاحك، ليس سحر ولا قدرات خارقة بل انت فأر مختبر يقومون بمراقبتك وبعدها يطبقون عليك، فأن اصبحت مطيع تكمل معهم و تحصل على ما تحتاج، اما اذا تخلفت عنهم تصبح مرتد و خارج عن قانون القبيلة وبالتالي مغضوب عليك من الإله و منبوذ من المطيعين.
فهل التاريخ كان يمضي ام اننا كائنات اعتادت على التبعية لدرجة انها باعت التذكرة الوحيد لقطار الزمن مقابل قفذه في المجهول، فأما ان تسقط على أرض صلبه او حفره لا تنتهي.

محمد الأمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النيتشوية...فلسفة لغير زمانها - محمد الأمين

يقول ميشيل فوكو، ثلاثة استط ا عوا تدشين النقد الجذري للحداثة في الغرب وهم: ماركس نيتشه وفرويد. لربما جميعنا نعلم  مدى تأثير فلسفة ماركس الإجتماعية و الإقتصادية على العالم أجمع فمن تحت عباءة ماركس خرجت الإشتراكيّة و ديكتاتورية البروليتارية و هيّئت لبلوغ المجتمع مرحلة الشيوعية التي طالت قارات العالم . كما أن فرويد هو الرائد في إخراج الإنسان من مركزيّته في العالم و زعزعة مكانته بين الكائنات الأخرى إذ أنه سلخ عنه صفة الصفوة ليجعل منه منقاد للغرائز و الرغبات فبذلك يكون قد حطم أوهام الإنسان و أنزله عن العرش .  أما نيتشه و هو موضوع حديثنا، فهو فقيه اللغة الأكثر شهرة وسط المجتمع الفلسفي للذاعة أسلوبه بوصف الفلاسفة وعدائه مع المسيحية و أخلاقها. فبعدما وجه كانط نقد للعقل، و ماركس نقد للرأسمالية و فرويد نقداً للوعي، جاء نيتشه آخذا على عاتقه تحطيم الأوثان الأخلاقية  الضعيفة و نقدها من جذورها و استبدال الألواح القديمة بالألواح الجديدة بضربة المطرقة. معلنًا قيام مملكة الأرض والوفاء للأرض مبشّرًا بالإنسان الأعلى، النّسخة الجبّارة من الإنسان الحاليّ. فبرأي نيتشه ما الأنسان الا شيء...

لماذا لستُ ملحداً ولا مؤمناً؟

المقدمة لماذا لستُ ملحداً؟ سؤال يتطرق إلى دماغي اللطيف من وقت لأخر. لماذا وانا احمل المقومات لأكون ملحداً ومن أسئلة وحجج و براهين فلسفية. لماذا أن متدين؟ لأني لم أجد الألحاد مغري من حيث المقام و النوع. وأن الأيمان يوصل إلى الإجابة عن الأسئلة. والإيمان  يملك الحجج على الحجج و البراهين الفلسفية المناسبة. في هذا المقال او الكُتيب الصغير أحاول ان أفكر بصوت عالٍ معكم و أن أحاول بأفكار مشوشه متواضعة أن افصل القش عن الحّب, في مواضيع و مواضع مختلفة من الموضوع قيد البحث. لا أدعاء منِ للمعرفة ولا العلم المطلق بأي موضوع من هذه المواضيع. انني فقط احاول نفخ الغبار عن قضايا ومفاهيم قد غطاها الزمن بحروبه و سياسياته. وسأحاول أن اظهر وجه نظر الملحد تجاه الأيمان بـ « الدين» و المتدينين, و وجهة نظر المتدين تجاه « الألحاد» و الملحدين. ولكي نعرف من هو الملحد و المتدين علينا ان نعرف من الملحد و من المتدين اولاً, وما هو الدين, وماذا لو  كنت متدين او ماذا لو كنت ملحداً. فلتسأل نفسك. ماذا لو كنت الخصم؟ اكتب هذا ايماناً مني بأن مثل هذا الموضوع كفيل ان يفتح الأبواب لأمور حياتية نعيشها جميعاً و...
في آخر جلسة لي لدى المعالج فاجأني بسؤال سبقه صمت مخيف و نفس عميق و إشعال لغليونه و قال.. كيف ستكون النهاية يا عزيزي..نهاية آلامك..و تنفس الصعداء.  النهاية! حتما ستكون سعيدة. هل تظن أن أحدا سيعرف الفرق؟! لا تخدع نفسك لن يشعر بغيابك حقا احد. ولن تؤثر بأحد. موتك سيكون كموت قطرة ماء إرتطمت بالارض أحدثت ضجة و اندثرت ولن يسأل احد، " أين ذهبت تلك القطرة". فالنستيقظ من سباتنا الدوغمائي و ننظر لما مر من حياتنا البشرية.  ان البشر كائنات سافلة متطاولة. ففي عصر الالهة كانوا يمقتونها و يتطاولون عليها و في عصر الملوك اشعلوا ثورات عليهم و في عصر التطور و الثورة الصناعية أصبحوا يتطاولون على الطبيعة. يا لسخافتنا المستدلة و المشدودة خلفنا. هل تعلم..عندما اموت لن يشعر احد بموتي لست شخص ذو قيمة. لا ! لست ذو قيمة. سأنتظر ذلك اليوم الذي ساموت فيه. سأكون مستعدا ولربما اشتري بدلة جديدة من الكتان و ربطة عنق من الساتان. و اشتري حذاء ذو كعب بني اللون. سأمشط شعري بشكل جميل و ربما أضع موسيقى هادئة و أطفئ الاضواء و الضوء فوق راسي. سأغلق الابواب و النوافذ و اكتب اسطري الاخيرة. قررت ان اشتري بوكيه ورد ا...